مخاطبك من خلال هذه السطور يا أستاذ جلبار نقاش والذي يناديك ب"اخي" مواطن تونسي مسلم الديانة لم يكن قد بلغ بعد سن العاشرة أيام كنت أنت المناضل اليساري نزيل سجون نظام بورقيبة في الفترة ما بين 1968 1979.. ولكنه مع ذلك يحمل لك في نفسه الكثير من الاحترام والتقدير... في ثمانينات القرن المنقضي وأنا تلميذ بالمعهد الصادقي سمعت لأول مرة باسمك من خلال كتابك "كريستال" الذي ضمنته يوميات سجنك.. فتساءلت: من يكون هذا "الجلبار نقاش"؟ وكيف لرجل اسمه "جلبار" أن يناضل وأن يسجن من أجل تونس وكرامة وحقوق الانسان التونسي؟ لم أكن يومها أتخيلك تونسيا مثلي.. لأنني لم أكن ببساطة وسذاجة أتصور وجود "توانسة" من ديانات أخرى غير الاسلام.. ثم زاد استغرابي وتعمقت دهشتي لما عرفت أنك يهودي الديانة.. اذ كيف لشخص أن يكون يهوديا وفي نفس الوقت تونسيا.. لا بل تونسيا وطنيا ومناضلا؟! الحاصل،،، وحتى لا أطيل عليك بقي اسمك راسخا في ذاكرتي منذ ذلك الوقت...وبقيت أستحضره خاصة في فترات الحروب العربية الاسرائيلية بدءا بحربي جوان 1967 واكتوبر 1973 ومرورا بالحرب على لبنان.. ووصولا الى الحرب على غزة.. فقد كنت أقول لنفسي في كل مرة تهزني فيها جريمة اسرائيلية جديدة في حق الفلسطينيين والقدس: هؤلاء ليسوا يهودا.. هولاء اسرائيليون.. المناضل والاديب التونسي جلبار نقاش هو اليهودي.. أما شارون وغيره من العنصريين الصهاينة لا يمكن ان يكونوا يهودا.. يستحيل!!! لقد بقيت على احترامي لك لسنوات طويلة.. وبقيت أتتبع أخبارك وكتاباتك وآخرها كتابك: "ماذا فعلت بشبابك: مسار معارض لنظام بورقيبة (1954-1979)" وكنت في كل مرة اقرأ لك فيها نصا جديدا أزداد منك قربا وبك اعجابا واشعر أنك بالفعل تونسي مثلي بل وربما اكثر مني... بعض أصدقائي العنصريين "التوانسة" من اولئك الذين لاحظوا مدى اعجابي بشخصيتك كانوا يحذرونني مما يسمونه "تمسكن" اليهود.. ويقولون جلبار نقاش لا يختلف في شيء عن أي يهودي آخر.. إنهم جميعا أعداء لنا نحن العرب والمسلمون".. بصراحة،،، لقد كدت أركن أحيانا لبعض قولهم.. خاصة في فترات الحروب على الفلسطينيين.. ولكن تاريخك النضالي وموهبتك الأدبية وكتاباتك التي تقطر انسانية وشجاعة تجعلني أنجو في كل مرة من الوقوع في براثن منطلقات فكرهم العنصري... أخيرا... أخيرا فقط، تأكدت يا أخي جلبار نقاش أنك وأنت اليهودي الأصل يمكن أن تكون تونسيا ووطنيا أكثر مني ومن الكثير من التونسيين المسلمين أمثالي.. هذه الأيام وأنا أقرأ لك ردودك في الصحافة التونسية على بعض المثقفين والجامعيين التونسيين من اولئك الذين مدوا أيديهم لشخصيات ورموز سياسية من "الدساترة" القدامى والجدد ليتحالفوا معهم ضد حكومة حزب "النهضة" لمواجهة ما يسمونه "خطر أسلمة البلاد" تأكدت مرة أخرى أنك تونسي ووطني أكثر من بعض التونسيين.. وأنك جد حريص على ثورة الشعب التونسي "ثورة 14 جانفي التاريخية" وعلى ان تحقق هذه الثورة العظيمة اهدافها في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.. تذكرتك ايضا يا اخي ومواطني وابن بلدي جلبار نقاش وانا استمع بالأمس لرئيس الجمهورية السيد المنصف المرزوقي وهو يقول «أن الجالية اليهودية التونسية جزء لا يتجزأ من الشعب التونسي» قالها عند استقباله للسيد جاكوب لالوش رئيس جمعية "دار الذكرى للحفاظ على التراث والثقافة اليهودية" يا لهذا «الاكتشاف» الرئاسي العظيم.. الجالية اليهودية التونسية يا سيادة الرئيس لا تمثل فقط جزءا لا يتجزأ من الشعب التونسي بل هي جزء من ماضي تونس ومن حاضرها ومستقبلها.. فتونس بلا يهود تونسيين ليست ولن تكون في شيء تونس التي نحب ونعرف.. أخي المناضل التونسي الكبير جلبار نقاش.. لو أن هناك شخصية وطنية تستحق اليوم ان تكون ضمن حكومة الثورة.. فهي بالتأكيد انت ايها الرجل.