ما يزال الفلسطينيون في الشتات يصرخون في الوقت الذي يعاني اخوانهم في الأراضي الفلسطينية المحتلة الحصار والموت اللذين يترصدانهم كل يوم ولا أحد يثير انتباهنا لهذه المأساة الانسانية في ظل صمت دولي مطبق واستقالة الدول الكبرى عن لعب دورها التاريخي والانساني في حل مشكل الاحتلال وتسوية معضلة اللاجئين. ما الذي باستطاعة محترفي التفكير ليقولوه لنا وسط الانفجارات اليومية والجوع اليومي لأطفال غزة وآلاف السجناء لدى الاحتلال الإسرائيلي؟ هل مازال هؤلاء يلوذون بالصمت أمام ما يحصل ولا يشجبون ولا يعيدون النظر في مواقفهم الصامتة والخجولة لأن المسافة بين فكرهم ومأساة هذا الشعب شاسعة وتنذر بعديد المخاطر التي تنتظر المنطقة. يعتقد الاسرائيليون أن الحديث عن حق عودة اللاجئين إلى ديارهم هو مجرد إدعاء كما كل باقي الأماني الفلسطينية ويتناسون أن الادعاء الحقيقي هو ما يسمى ب«أرض الميعاد» تلك الاسطورة التي قامت على جثث الفلسطينيين، ثم يروجون بأن جزءا كبيرا منهم قد فرّ من مكانه ولم يطرد ولهذا فلا ينبغي لهم أن يشتكوا وأن ينددوا أو يطالبوا بالعودة إلى منازلهم بعد أن حملوا معهم مفاتيحها منذ سنين خلت لأن لمنازلهم في القلب منازل... لنقل إن اللاجئين قد فروا ولم يطردوا فما الذي حملهم على الفرار من ديارهم ومزارعهم، هل فروا حبا في الملاجئ... أم للتجوال في المخيمات؟ يريد الاسرائيليون أن نلغي عقولنا كي نصدق أساطيرهم ونتناسى ما صنعته عصابات الهاغانا وشتيرن والارغون ثم نتشبه بغباء الأشياء لنسلم بالواقع وكأنه قدر لا فرار منه وليس لنا من عمل الآن غير البحث عن توطين لهم في أماكن أخرى أو إعادة تأهيلهم في بلدان الإقامة أو تعويضهم ببعض المال.. ...سخافة إسرائيلية أخرى لبعض منظريها الذين يرفضون الحديث عن حق العودة لأن ذلك يمثل خطرا على «الطابع اليهودي» لدولة إسرائيل ويضعف الأغلبية اليهودية أو ما اصطلح على تسميته بالتوازن الديمغرافي، وحتى ان قبلت إسرائيل بعودة البعض منهم فإن ذلك لا يتعدى حدود الاقامة وليس للفلسطينيين حق المواطنة، لأن منح الإقامة أو الضيافة إن صح التعبير وحرمانهم من الحق في الاقتراع مثلا يمكن أن يحبط ما أسماه أحد المفكرين الإسرائيليين بالمؤامرة. هكذا إذن تصبح المطالبة بحق العودة مؤامرة من وجهة نظر إسرائيلية، أضف إلى ذلك مشكل القدس وحدود الدولة والمستوطنات لتصبح كل القضية الفلسطينية مؤامرة والسعي للسلام هو الآخر مؤامرة في سعي دائم للتملص من السلام الحقيقي بغطاء أمريكي خصوصا بعد دعوة بوش خلال زيارته الأخيرة لإسرائيل والأراضي الفلسطينية إلى وضع آلية دولية لتعويض اللاجئين متجاوزا حق العودة في تنصل واضح وصريح من القرار الأممي 194 والذي يكفل للاجئين حقهم في العودة إلى وطنهم. في الواقع ان الاسرائيليين يعتقدون أنهم الأقوى قياسا بالفلسطينيين وأنهم قادرون على تدبر أمورهم حتى بدون السلام، ولكنهم يتجاهلون أن ما من شعب وقع احتلاله وإلا وكانت هناك مقاومة حتى تحرير الأرض وقيام الدولة المستقلة ذات السيادة، لأن السلام ليس مناسبة أو مجرد تصريح في بعض المناسبات بقدر ما هو ممارسة خارجة عن «ذات» إسرائيل مهما كانت قوتها والأسلحة التي تمتلكها.