سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
هل يحق للأشخاص المذكورين بقائمة الأملاك المصادرة اللجوء إلى القضاء للتظلم؟ بعد صدور قرار تعقيبي بنقض الحكم الاستئنافي المتعلق بتسمية مؤتمن عدلي على ممتلكات مروان المبروك
نشرت «الصباح» بتاريخ 18 ديسمبر الماضي حوارا مع حامد النقعاوي المستشار المقرر العام بنزاعات الدولة أشار خلاله إلى أن مرسوم مصادرة أموال المخلوع (ومن معه) ترك منفذا للجناة لاسترجاع أموالهم لأن مسألة عدم اختصاص السلطة التشريعية بالمصادرة ترتقي إلى مستوى دستوري بحيث أن الأمر يتعلق بتطبيق مبدإ الفصل بين السلط المكرس دستوريا، وقال إن مرسوم المصادرة قد لا يحظى بمصادقة مجلس النواب بعد عودته إلى النشاط لهذا السبب. وبين النقعاوي ل«الصباح» أن هذا الإخلال قد يثير امتعاضا دوليا وقد ينجر عنه تعطل استرجاع الأموال المهربة، ودعا القضاء التونسي إلى عدم التسليم بوقوع المصادرة تشريعيا، وإنما عليه مواصلة التمشي نحو إصدار الحكم بالإدانة وإردافه بالمصادرة تأسيسا على القانون عدد 75 لسنة 2003.
قرينة فساد المصدر
لعلنا نقف اليوم على مشارف تحقق بعض هذا الاستشراف، إذ علمت «الصباح» أن الدولة اقتصرت على مصادرة 49 % من رأسمال شركة تجارية هامة على ملك مروان المبروك وسيرين بنت زين العابدين بن علي، وأبقت على 51 % لصاحبها مروان الذي تم تعيينه رئيسا مديرا عاما بالشركة عوضا عن المتصرف القضائي، فضلا عن صدور القرار التعقيبي عدد 67045 المؤرخ في 24 جانفي 2012 القاضي بنقض الحكم الاستئنافي المتعلق بتسمية مؤتمن عدلي على ممتلكات مروان المبروك مستندة في ذلك إلى تنقيح مرسوم المصادرة بموجب المرسوم عدد 47 لسنة 2011 الذي استثنى الممتلكات المنجرة بالإرث من طائلة المصادرة بشروط معينة. ولتوضيح المسألة للرأي العام -خصوصا وأن الأمر يتعلق بحقوق المجموعة الوطنية- أجرت «الصباح» حوارا جديدا مع حامد النقعاوي بصفته رئيسا لجمعية القانون والتطبيق الذي أفاد أن المصدر المادي لمرسوم المصادرة هو اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد والقانون عدد 75 لسنة 2003 المتعلق بدعم المجهود الدولي لمكافحة الإرهاب وغسل الأموال، وقال:» إن مقتضيات المصادرة لا تقرأ بمعزل عن جهود مكافحة الفساد، الأمر الذي يستخلص منه أن واضع المرسوم أرسى قرينة قوامها فساد مصدر الأموال الراجعة إلى الأشخاص المعنيين به، هذه القرينة التي يسوغ دحضها كلما ثبتت سلامة المصدر. وبذلك يكون التنقيح الوارد بالمرسوم عدد 47 لسنة 2011 خطوة في اتجاه الإصلاح، وفي هذا المعنى ذكر أحد وزراء الحكومة الحالية أن المصادرة ليست انتقاما أو تشفيا».
إجراء تحفظي
واضاف بخصوص الرأي القانوني بخصوص القرار التعقيبي أنه:» باعتماد المعطيات المتعلقة بمستندات محكمة التعقيب فإني أرى أن هذه المحكمة جانبت الصواب عندما نقضت الحكم القاضي بتسمية مؤتمن عدلي على املاك تابعة لمروان المبروك بناء على عدم مراعاة مقتضيات التنقيح، وذلك لأن الأمر يتعلق بإجراء تحفظي لا علاقة له بأصل النزاع، وهذا الإجراء من شأنه حفظ حقوق الدولة المنجرة عن المصادرة، علما بأن تطبيق مرسوم التنقيح ليس بالبساطة التي قد تتبادر إلى الذهن وإنما يتطلب بحثا عميقا وتمحيصا وحرصا شديدا من لجنة المصادرة.» فالتنقيح حسب رئيس جمعية القانون والتطبيق يطرح التساؤلات التالية:» إن كان الميراث مستثنى بناء على سلامة مصدر الأموال الموروثة فهل يمكن تطبيقه على الهبة الواقعة من المورث في قائم حياته إلى الوارث المصادرة أمواله، وعلى الوصية أيضا بذات شروط استثناء الإرث؟ وهل أن ما تغله الأموال الموروثة من مرابيح واستثمارات جديدة تخرج بدورها من نطاق المصادرة؟» واوضح :» إن وجود مروان المبروك ضمن قائمة المصادرة والتتبعات القضائية الجارية ضده تبرر تسمية مؤتمن عدلي على أملاكه في انتظار إتمام أعمال لجنة المصادرة. وفي جميع الحالات فإن هذه المسألة تبقى خاضعة لاجتهاد محكمة الموضوع شرط التعليل المستساغ وهذا هو الدور المنتظر من محكمة الإحالة».
وظيفة قضائية
وهل يحق للأشخاص المذكورين بالقائمة اللجوء إلى القضاء للتظلم من عملية المصادرة؟ اجابة عن هذا التساؤل يرى النقعاوي أن مرسوم المصادرة هو « نص تشريعي لا يخضع لأية مراجعة قضائية بطريق الدعوى، ومع ذلك يبقى لمن تضرر أن يطعن في قرار لجنة المصادرة. لكن هذا القرار لا يكتسي وصفا إداريا ذلك أن لجنة المصادرة ليست هيئة إدارية بمقتضى وظيفتها وإنما هي هيئة قضائية لأنها تضطلع بوظائف قضائية. فهي لا تدير مرفقا عاما ولا تمارس سلطة الضبط الإداري، وإنما شأنها أن تحدد نطاق الحقوق الراجعة إلى الدولة بوجه المصادرة وصحة قيام الحقوق الشخصية والعينية الراجعة إلى الغير.» واضاف قائلا :» إن الوظيفة القضائية هي مجموع المهام الموكولة إلى الهيئات القضائية التي تتكامل لتحقيق العدالة. لذلك يتميز العمل القضائي بأنّه ليس مجرّد عمل تطبيقي، كما هو شأن النشاط الإداري، بل هو في الأغلب عمل إنشائي يبتدع الحلول المناسبة للروابط القانونية التي تنشأ بين الأفراد أو بينهم وبين الإدارة. وهي روابط تختلف بطبيعتها عن روابط العمل الإداري، لأنها علاقات يشوبها النزاع أو الخلاف وتحتاج إلى الحسم من جهة تستقل بقرارها عن طرفي النزاع. وبالتالي فإن العدالة هي هدف لجنة المصادرة. لهذه الاعتبارات لا يصح الطعن في قرارات لجنة المصادرة أمام المحكمة الإدارية وإنما سبل الطعن هي السبل الموصوفة في القانون الخاص.» هل يشمل الاستثناء مرابيح الأموال الموروثة؟ وعن سؤال «الصباح» حول إمكانية توسيع نطاق الاستثناء من المصادرة ليشمل مرابيح الأموال الموروثة. أفاد أن المرسوم نص على أن المصادرة تشمل: - جميع الأموال، منقولة كانت أو عقارية. - جميع الحقوق المكتسبة بعد تاريخ 7/11/1987، أما الاستثناء فاقتصر على جميع الأموال منقولة كانت أو عقارية المنجرة إرثا وفق الشروط المبينة بمرسوم التنقيح. وقال : «من الواضح أن نطاق الاستثناء الوارد بالتنقيح يختلف عن نطاق المصادرة، لذا فإن السؤال المطروح هو ما معنى عبارة الحقوق المكتسبة التي تطالها المصادرة ولا يطالها الاستثناء.» مضيفا : «معلوم أن المال هو «كل شيء غير خارج عن التعامل بطبيعته أو بحكم القانون ومن شأنه أن يكون موضوع حق ذي قيمة نقدية» (الفصل الأول من مجلة الحقوق العينية) وهو ينقسم حصرا إلى عقار ومنقول (الفصل 2 من نفس المجلة) والعقار إما طبيعي أو حكمي أو تبعي، أي أن الأموال العقارية لا تنحصر في العقارات وما التصق بها وإنما تشمل أيضا جميع الحقوق العينية العقارية مثل الانتفاع والامتياز وحقوق الرهن.. أما المنقول فيشمل الأجسام المنقولة والحقوق الشخصية والعينية المتعلقة بمنقول فضلا عن الحصص والأسهم والرقاع.» وفسّر : «بمعنى ذلك تكون العبارة الواردة بالمرسوم عدد 13 لسنة 2011 والمتمثلة في «الحقوق المكتسبة» خارجة عن نطاق «المال» لأن تلك الحقوق المكتسبة ليست لها قيمة نقدية في تاريخ اكتسابها مثل حق الأولوية في الشراء وحق الشفعة والحق في تقاسم المرابيح إن تأتت لاحقا، وهذا الحق، ليس مالا لأنه لا قيمة نقدية له في تاريخ نشأته. بهذا المعنى يكون المشهد القانوني كما يلي: صودرت جميع الأموال والحقوق المكتسبة بعد 7/11/1987 واستثنيت جميع الأموال المنجرة إرثا بعد ذلك التاريخ بشروط محددة. لذا، فإن كافة المرابيح التي ترتبت بعد تاريخ 7/11/1987 والتي انجرت عن مساهمات المورث السابقة لهذا التاريخ تطالها المصادرة ولا يشملها الاستثناء. وختم النقعاوي رايه قائلا :» لعل هذا الموقف القانوني يتعزز بقرينة الفساد التي من مقتضياتها أن جعل الأموال المتأتية بمعرفة الشخص المعني تحت طائلة المصادرة ويبقى له حق التقاضي لدحض تلك القرينة».