بعيدًا عن كل الانحيازات الإيديولوجية والانتماءات التي كثيرا ما اتهم بها الإعلام عمومًا، فإن الحقيقة التي لا غبار عليها هي وبكل بساطة كالتالي؛ إن الإعلام فضاء حرّ، مستقل ومتعدد، يكرّس الديمقراطية في أرقى أشكالها بروح الحوار والإبداع. وهو الأقدر على تحقيق السلم الاجتماعي والتوازن الفكري والاعتدال الديني، لما له من حضور لدى الجمهور من نخبة ومثقفين ولدى العامة من الناس يشهد على حالهم ويقف على شواغلهم وتطلعاتهم، يكفل لهم الخبر الدقيق الصادق، يحفظ لهم حق التعبير والرد ورد الفعل ويضمن بلوغ أصواتهم بكل نزاهة وشفافية، طالما التزم كل طرف بما له وما عليه من امتثال للعرف والدين والأخلاق.. وإذا ما كانت للإعلام هذه المكانة الرائدة في تمثيل التونسيين أحسن تمثيل بما يتفق مع تاريخهم وما لفّ وضمّ من حضارات متعاقبة صبّت كلها في تشكيل العقل التونسي المتميّز والمتفرّد، خصوصا في ما تعرفه اللحظة الراهنة من شطحات وصراعات مستحدثة ومبتدعة، تحيد بالناس عن وسطية الموقف واعتدال الرأي واتزان القرار، فإن الخطر يتعاظم والهوّة تتسّع.. وبين من يشدّ إلى الخلف ومن يدعو إلى الاغتراب، يقف مواطن، تونسي بسيط، حقيق بالعدل والاعتدال، لن يمرّ على أرضه لا هذا ولا ذاك.. فكثيرا ما يطالع "الصباح" أحد قرائها بالقول: "انشروا هذا إن كنتم حقا صادقين"، أو "أتحداكم أن تنشروا"، إلى غير ذلك... مما يكشف بوضوح عدم ثقة بعض القراء في أن رأيه محفوظ، قابل للنشر والتعليق، ما دام لا يخلّ بما ورد في "ميثاق القارئ" من التزام بالأخلاق والقانون. ناهيك عمّا يرد علينا من بعض التعليقات التي تحمل طابعا عدائيّا للأسف وعنفا لفظيا لا يليق إن نُشر لا ب"الصباح" ولا بقرائها.. المهمّ نقول؛ إن "الصباح" جريدة كل التونسيين، لا مجاملة فيها ولا تفرقة ولا مجال لتغليب رأي على رأي أو توجّه على آخر إلا بما اتفق عليه الناس جميعا.. ولا مكان فيها للعنف أو التشجيع عليه، وهي فضاء للفكر النيّر والعقل المبدع والاختلاف المحمود والنقد البناء.. وفي الآية: "إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا"..