- عربيا، تبدو القمة المزمع عقدها في بغداد في موفى الشهر الجاري (29 مارس) «قمة رمزية» أهم ما فيها إعادة الاعتبار إلى العراق كدولة فاعلة في الشأن العربي، أما سوريا فإنّها في نظر عدد من المراقبين قمة ستعمل على إنقاذ ما يمكن إنقاذه في دمشق. فبقراءة سريعة لتصريحات المسؤولين العراقيين قبيل القمة، يبدو جليا أنّ الدولة الجارة لن تدفع باتجاه قرار يمهد لإعلان حرب على سوريا، في بلد عانى ويعاني من ويلات التدخل العسكري. صحيح أنّ العلاقات بين سوريا والعراق عرفت توترا وعداوة لفترات عدة خاصة خلال حكم صدام حسين وحافظ الأسد، إذ عمد كلّ واحد منهما إلى دعم معارضي الآخر. وقد برزت أهم مظاهر الاختلاف بينهما إبان الحرب العراقية / الكويتية عندما انضم الأسد في حرب تحرير الكويت إلى الجانب الأميركي والتحالف الدولي ضدّ صدّام حسين. إلا أنّه وما أن بدأت طبول الحرب تدق وتحضّر لغزو العراق، حتى اتخذ النظام السوري موقفا معاديا للاحتلال الأمريكي وفتحت سوريا أبوابها أمام نحو مليوني لاجئ عراقي. ويأتي احتضان العراق للقمة العربية الأولى منذ سقوط نظام صدام حسين، في وقت تغرق فيه البلاد في مشاكلها الخاصة، لعلّ أهمها التعقيدات الأمنية والأزمات السياسية. أما آخرها فتلك المناوشات بين حكومة المركز وحكومة كردستان، إذ يمكن لتحالف كردي مع القائمة العراقية وقائمات صغيرة أخرى أن يسقط حكومة المالكي، فالأكراد يلعبون دورا جوهريا في العراق، ويمثلون في سوريا حجر الزاوية في تعديل الكفّة بين النظام والمعارضة. دعم «خفي» لم ينس العراقيون مواقف النظام السوري، فقد كانت سوريا رافضة للحرب الأمريكية ضدّ العراق،لذلك تتبنى بغداد موقفا مناوئا للتدخل العسكري ضدّ دمشق، هذا إلى جانب أنّ حكومة المالكي حاولت أن تنأى بنفسها عن تضييق الخناق الاقتصادي على الأسد ومعاونيه. بل ذهبت حكومته إلى أبعد من ذلك، إذ أفادت تقارير إعلامية أن بغداد تورطت في تزويد نظام الأسد بالنفط، رضوخاً لضغوط إيرانية مباشرة. كما سمحت حكومة المالكي لطائرات إيرانية بعبورالأجواء العراقية وهي تحمل أسلحة ومعدات حربية لدعم نظام بشار الأسد. وحسب معطيات استخباراتية لا يتم اعتراض طائرات الشحن الإيرانية تلك التي تعبر الأجواء العراقية، وهي لا تتوقف في مطار أو محطة عراقية، حتى يتم تفتيشها. ومع تواصل الدعم الخفي الذي تنتهجه الحكومة العراقية في مواجهة الأوضاع المحتدمة في سوريا، سترأس بغداد القمة العربية لعام كامل، عام يرى فيه المراقبون فرصة للنظام السوري (وإيران التي مازلت تدعمه بقوة من أجل مزيد كسب أوراق على الأرض وتأجيل أي تدخل عسكري أوحلّ سياسي يقصي بشار الأسد) فمن المتوقع من وجهة نظر إيرانية على الأقل أن تحول بغداد من خلال رئاستها للقمة من أن يتم إرسال قوات عربية أودولية إلى سوريا، أو أن يكون هناك مزيد من الضغط الاقتصادي والسياسي على دمشق. إيران على الخط تمارس الحكومة الإيرانية ضغوطا متواصلة على العراق بهدف دعم نظام الأسد، مذكرة العراقيين بأنّ سقوط الأسد يعني ضربة استراتجية لمحور الممانعة، ما سيكون له تبعات على الداخل العراقي. في المقابل يلتزم العراق بتنفيذ وعود واتفاقات أمنية واقتصادية أبرمت بين بغداد ودمشق في عدة مجالات، وعندما يتردّد العراق في الالتزام بهذه الاتفاقات، تتدخل طهران على الخط. وابرز دليل على ذلك طلب طهران الاجتماع بالقيادة العراقية التي أوفدت النائب المقرب من رئيس الوزراء إلى الجمهورية الإسلامية. في طهران، تقول مصادر إيرانية مطّلعة إن الموفد العراقي «سمع عتاباً شديداً» إزاء كيفية تعامل بغداد مع الملف السوري، وتشديداً على أن كل صغيرة تتعلق بهذا الملف يجب التعامل معها على أنها أمر استراتيجي. إنّ انعقاد القمة العربية القادمة في بغداد يجعل من العراق حسب محللين «خشبة الإنقاذ» لنظام الأسد. ففي بلد دمّر التدخل العسكري الأخضر واليابس ليس من المنطقي تمرير أي قرار عربي بإرسال قوات إلى سوريا، هذا إلى جانب حدّة الضغوط الإيرانية المتواصلة على حكومة بغداد من أجل دعم نظام الأسد حتى آخر لحظة.