خلافات المعارضة السورية تزيد الأوراق تعقيدا نجحت جامعة الدول العربية في تنظيم القمة العربية السنوية التي تعذر تنظيمها العام الماضي.. بالرغم من الوضع الاستثنائي جدا الذي تمر به المنطقة بعد عام سقط فيه 4 رؤساء عرب واهتزت فيه كراسي آخرين.. فيما لا يزال الشعب السوري بعد أكثر من عام من اندلاع «انتفاضته» أو «ثورته الشعبية» ممزقا بين نيران متعددة المصادر والألوان كانت حصيلتها الى حد الآن سقوط اكثر من 9 الاف قتيل من بين المدنيين والعسكريين ورجال الأمن.. وقد كان موقف تونس الذي عبر عنه رئيسها الدكتور المنصف المرزوقي واضحا من حيث معارضته مجددا لكل سيناريوهات التدخل العسكري الأجنبي في سوريا.. «حتى لا تتطور الصراعات المسلحة من معارك دامية داخل سوريا الى معارك وصراعات أعنف في كامل المنطقة»..
نجاح ولكن..
ولا شك أن تنظيم القمة العربية المؤجلة مهمّ في حدّ ذاته لأنه يضمن حدّا أدنى من التشاور بين القادة العرب وممثليهم.. بما من شأنه أن يساهم في تحسين قدر من التنسيق والعمل المشترك.. ومحاولة «التحكم عربيا في جانب من خيوط اللعبة الدولية التي تهم إعادة رسم خريطة المنطقة».. والمهم أن ممثلين عن الدول التي شهدت انتخابات ديمقراطية مثل تونس والمغرب ومصر قد أصبح لها رأي في مستقبل إعادة بناء المنطقة.. وفي تفعيل العلاقات الدولية لحكوماتها على المستوى المتوسط والبعيد.. لكن هذا «النجاح» محدود رغم أهمية الورقات التي أعدها الخبراء والوزراء العرب للشؤون الاقتصادية والخارجية.. لأن «الحاضر الغائب» في قمة بغداد كان الرئيس السوري بشار الأسد بسبب الخلافات العميقة بين عدد من العواصم العربية والإقليمية (مثل أنقرة) والدولية (بيكين وموسكو وواشنطن) حول مصيره..
خلافات.. وخلافات..
ويبدو أن التناقضات بين قادة الدول المعنية مباشرة وغير مباشرة بملف سوريا طغت على أجواء التحضيرات لقمة بغداد وعلى محادثات الكواليس فيها.. خاصة وعشرات من وزراء خارجية العالم يستعدون لعقد اجتماع في إسطنبول يضمّ «أصدقاء سوريا».. متابعة لمؤتمر موفى فيفري الماضي بتونس.. والذي حضره وزراء خارجية 70 دولة بينها هيلاري كلينتون ونظراؤها الأوروبيون.. وحسب المؤشرات الحالية فان قمة بغداد ستزيد في تعميق التناقضات داخل المعارضة السورية من جهة وبين عدد من الدول «المتدخلة» في الملف السوري وخاصة تركيا وقطر والمملكة العربية السعودية من جهة أخرى..
الجناح العسكري والأجنحة السياسية؟
وتكشف المعطيات المتوفرة أن التناقضات احتدت عشية بدء مشوار تنظيم اجتماع إسطنبول «لأصدقاء سوريا» بين عدد من العواصم العربية وأنقرة.. فيما ارتفعت بين قياديين من الجناح العسكري والاجنحة السياسية للمعارضة السورية اصوات تتبادل الاتهامات.. من بينها اتهامات لبعضها ب»التورط» مع بعض السلطات التركية وأطراف أوروبية بينها «القوات الخاصة الفرنسية» ومع «ميليشيات» مسلحة ورد ان بعضها على اتصال بالزعيم العسكري الليبي عبد الحكيم بلحاج في قتل عدد من المدنيين والعسكريين السوريين.. بينهم القائد السابق «للجيش السوري الحر» شمالي سوريا حسن خرموش..(؟؟)
أنصار التدخل العسكري وخصومه ؟
وبخلاف ما جرى في ليبيا حيث برز قدر من الإجماع بين زعامات معارضي القذافي حول مساندة الحل العسكري، فان التناقضات قوية بين قيادات المعارضة السورية حول «عسكرة المعارضة» والتنسيق العسكري مع بعض الدول العربية والأوروبية ومع تركيا.. وتكشف مواقف قيادات المعارضة السورية منذ «مؤتمر تونس لأصدقاء سوريا» أن التباينات بينها تستفحل.. بين مناصرين للمشاركة في مؤتمري إسطنبول (ثم مؤتمر باريس) ومعارضيه ومشككين في نجاعة تنظيمهما أصلا.. فالسيد برهان غليون ورفاقه المعارضون في أوروبا وأمريكا مع التدخل العسكري.. في المقابل فان فصائل اخرى بزعامة الحقوقي هيثم مناع يرفضون عسكرة المعارضة.. ويعتبرون أنه «من المستحيل حسم المعركة مع نظام بشار الأسد عسكريا».. لأن الغالبية الساحقة من قيادات الجيش موالية له.. وجلهم من «الشمال» ومن «العلويين» ومن بين كوادر «حزب البعث».. بينما ليبيا لم يكن لها في عهد القذافي جيش نظامي يذكر واعتمدت أساسا على «الكتائب» و«الميليشيات».. كما تبرز تناقضات بين زعامات وفصائل من المعارضة الاسلامية والاخوانية وفصائل من المعارضة العلمانية والمسيحية والدرزية..
تخوفات من الثأر والانتقام
في نفس الوقت يتأكد ميدانيا أنه لا وجود لقوة قادرة حاليا على تعويض الأركان العسكرية والسياسية لنظام الاسد.. ويبدو تفكيكها صعبا جدا لأن عمرها أكثر من 40 عاما اذا احتسبنا البنية الأمنية العسكرية التي اقامها والده الرئيس حافظ الاسد.. فضلا عن تداخل مصالح ملايين من السوريين «البعثيين» ومن طوائف «الأقليات» مع النظام الحالي.. لاسباب عديدة من بينها التخوفات على مصالحهم بعده.. على ضوء ملاحظاتهم عن سلسلة عمليات الانتقام والثأر التي تجري منذ اشهر في ليبيا وفي بلدان «الربيع العربي».. والتي تذكرهم بما حصل لمئات الآلاف من البعثيين في العراق بعد احتلال بغداد عام 2003 وانهيار نظام صدام حسين..
الأبعاد الإستراتيجية للصراع ؟
في الأثناء يبدو الجميع في قمة بغداد وخارجها مقتنعا بضرورة دعم جهود كوفي عنان الامين العام السابق للامم المتحدة ومبعوث الدول العربية والمجموعة الدولية الى سوريا.. لكن «اعداد طبخة جديدة» لسوريا يبدو أكثر خطورة من اختزاله في مشاورات على هامش القمة العربية التي تعقد في ظرف استثنائي في العراق.. بحكم الأبعاد الإستراتيجية للصراع الدائر حاليا حول «تغيير النظام في دمشق».. ولا يخفى أنه رغم الارتفاع الهائل لعدد الضحايا فان معضلة الشعب السوري هي أن الصراع على مستقبل بلده يهم جل الدول المؤثرة عالميا من الصين وروسيا الى دول الحلف الاطلسي واسرائيل وأرمينيا والجمهوريات السوفياتية السابقة القريبة حاليا من انقرة سياسيا واقتصاديا.. فضلا عن تركيا وفلسطين ولبنان وايران.. فهل تساهم مشاورات زعماء الأنظمة العربية في دفع الأوضاع نحو «حل سياسي» يرضي كل الاطراف (قد يكون عبر تبني حل شبيه ب»السيناريو اليمني» أم تزداد الأوضاع تعقيدا ويكون الخاسر الأول هو الشعب السوري الشقيق ومئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين في سوريا ولبنان؟