بين حديث وزير السياحة مؤخرا عن مؤشرات إيجابية على تحسن الوضع السياحي خلال الفترة المقبلة وتواصل مخاوف المهنيين الذين يؤكدون أن المؤشرات بمفردها غير كافية للجزم بعودة النشاط السياحي إلى طبيعته. يتأرجح وضع القطاع السياحي في تونس اليوم. ويكتسي التأكد من حقيقة وضع القطاع السياحي الذي يعد أهم مورد من موارد ميزانية الدولة أهمية كبرى تزامنا مع شروع الحكومة الحالية في تنفيذ برامجها الاقتصادية والاجتماعية بعد الانتهاء من ضبط الميزانية التكميلية، لأن عدم عودة عجلة الاقتصاد للدوران بشكل طبيعي عبر عودة القطاعات الاستراتيجية لوضعها الطبيعي يجعل كل حديث عن الاستثمار وإحداث مواطن الشغل وتحسين ظروف عيش المواطن وعودا لا تغني ولا تسمن من جوع. ولعل حديث وزير السياحة المتفائل نسبيا قد يكون من باب إطلاق الآمال و»التنفيس» عن الحكومة الحالية المتهمة في نظر البعض بالعجز عن تغيير الأوضاع إلى الأفضل على جميع المستويات.
مؤشرات تفاؤل
تحدث مؤخرا إلياس فخفاخ وزير السياحة عن تحسن قطاع السياحة في تونس استنادا إلى مؤشرات شهري جانفي وفيفري حيث تم استرجاع حوالي 002 ألف سائح.. وقال أن نسبة النمو قد ناهزت 05٪ من حيث الوافدين مقارنة بالسنة الفارطة. أشار أيضا إلى زيادة في المداخيل في حدود 8٪ مقارنة بنفس الفترة من سنة 0102. وأضاف وزير السياحة انه وحسب الحجوزات المسجلة فمن المنتظر استرجاع أكثر من مليون سائح، والوضعية قابلة لمزيد التحسن. وبدأت حركة سياحة الرحلات البحرية بالعودة تدريجيا في الآونة الأخيرة حيث استقبل ميناء قابس مؤخرا باخرة سياحية تضم 058 سائحا بعد توقف النشاط في هذا الميناء دام سنتين بعد الأحداث التي شهدتها ليبيا. في السياق ذاته يؤكد القائمون على ميناء حلق الوادي أن نشاط البواخر السياحية بالميناء بدأ في الرجوع تدريجيا. ويرجع المراقبون هذه العودة التدريجية إلى تحسن الأوضاع الأمنية نسبيا في تونس إلى جانب تحسن الوضع في ليبيا. وفي قراءة واقعية لهذه المؤشرات يمكن القول بأن عجلة السياحة بدأت تتزحزح من ركودها الذي كبد القطاع خسائر كبيرة تراجعت فيها عائدات القطاع إلى مستويات متدنية ناهزت 33 بالمائة خلال السنة الفارطة. لكن هذه المؤشرات ذاتها هل هي كافية للحديث عن عودة عجلة السياحة إلى الدوران؟
حذر ومخاوف
في إجابته عن هذا التساؤل يقول محمد على التومي رئيس الجامعة التونسية لوكالات الأسفار إن المهنيين يتعاملون مع هذه المؤشرات من منطلق المثل القائل «ما نصدق كان ما نعنق» ولا يمكن الجزم بعودة النشاط إلا في صورة مشاهدة الوفود السياحية تتوافد بأعداد هامة على الوجهة التونسية. ويضيف أن التفاوت بين النظرة الإيجابية المتفائلة والنظرة السلبية مردها أن كل طرف يحكم من وجهة نظره. فالمسؤول له تقييمه وللمهني حساباته. ويعتبر رئيس الجامعة التونسية لوكالات الأسفار أنه نظريا يمكن الحديث عن مؤشرات إيجابية لعودة النشاط السياحي استنادا إلى تأكيدات الشركاء الأجانب في القطاع من وكالات أسفار ومنظمي رحلات وما سجل خلال المشاركات الأخيرة في الصالونات السياحية العالمية من بداية توجه لإعادة برمجة الوجهة السياحية التونسية بداية من هذا الموسم. بالإضافة إلى تحسن نسبي للحجوزات ووجود مفاوضات جدية مع شركات الطيران..الخ لكن كل هذا لا يلغي في نظر رئيس جامعة وكالات الأسفار وجود مخاوف حقيقية في علاقة بتطور الأوضاع الأمنية في البلاد وتسجيل المزيد من المظاهر السلبية المرتبطة بالتطرف بجميع أنواعه والتي تتناقلها وسائل الإعلام العالمية بسرعة وتساهم بشكل كبير في التأثير على قدوم السياح إلى تونس. ويقول بهذا الشأن محمد علي التومي إن بعض سياح الأسواق التقليدية على غرار السوق الفرنسية يتابعون كل التطورات التي تشهدها تونس وكأنهم يعيشون بيننا خاصة إذا ما تعلق الأمر ببعض الأحداث العابرة ذات العلاقة بموضوع العنف الديني والسلفية... ويعتبر محمد على التومي عودة نشاط البواخر السياحية مؤشرا إيجابيا لكن تظل المخاوف مطروحة قبل بداية موسم الذروة لا سيما وأن وضعية الأسواق المجاورة مازالت غير واضحة إلى حد الآن.
تراجع الأسواق التقليدية
من جهته يعتبر منير بن ميلاد (مهني والرئيس الشرفي لجامعة النزل) أن تقييم الوضع الحالي للقطاع يشير إلى بوادر تحسن في الحجوزات لا غير في بعض الأسواق السياحية على غرار السوق الانقليزية والألمانية والروسية. لكن هذا لا ينفي وجود صعوبات ومشاكل جذرية في بعض الأسواق الأخرى على غررا السوق الإسبانية التي انعدمت تقريبا حيث فاق التراجع ال 07 بالمائة.والوضع ذاته بالنسبة للسوق الإيطالية التي لم تتحسن مؤشراتها. وفيما يتعلق بالسوق الفرنسية فسيكون للانتخابات في فرنسا هذه السنة تأثير على قدوم السياح هذا بالإضافة إلى وجود توجه عام في السوق الفرنسية لا يشجع السياح على القدوم على هذا الموسم إلى المغرب ومصر وتونس. ويضيف منير بن ميلاد أن السوق الليبية بدورها لن تعود هذه السنة إلى وضعها الطبيعي في ظل الأوضاع الداخلية في ليبيا. وبالنسبة للسوق الجزائرية فتزامن شهر رمضان مع ذروة الموسم قد يحد من نتائج هذه السوق خاصة وأن المؤسسات السياحية التونسية لم تستعد كالعادة لتوفير حاجيات السياح الجزائريين.
التصريحات السلبية
من جهة أخرى يقول منير بن ميلاد إن مؤشرات القطاع السياحي مازالت رهينة تصريحات سلبية أخرى من هنا أو هناك قد تكون زلزالا على السياحة التونسية »لأن كل تصريح يمس شعور الناس في العالم يؤثر سلبا على قدوم السياح». ويرجع أيضا محدثنا مخاوفه من عدم عودة العجلة السياحية إلى الدوران بشكل طبيعي خلال الموسم الحالي إلى تواصل تحذير عديد البلدان لرعاياهم من المناطق الداخلية التونسية. فالسائح إذا ما وجد تحذيرا في منطقة ما قد يغير الوجهة بأكملها لأنه لا يطلب الأمن في نهاية المطاف بل يطلب الطمأنينة «والفرق شاسع بين الأمن والطمأنينة».