تأكيد على لجنة لمساءلة القضاة المرتشين والفاسدين وتجريم التدخل في القضاء ضمن الدستور حاز موضوع الرشوة في المنظومة القضائية حيزا هاما من مداخلات أعضاء لجنة القضاء العدلي والإداري والمالي والدستوري أمس خلال جلسة الاستماع التي خصصت للعميدين السابقين للمحاماة عبد الجليل بوراوي وعبد الستار بن موسى. ويأتي تعريج نواب التأسيسي على مسألة الرشوة في المنظومة القضائية وفي المحاكم متناغما إلى حد كبير مع ما يؤمن به ويطرحه قسم كبير من الرأي العام التونسي اليوم، ومفاده أنه لم يتم القطع مع الممارسات السابقة في منظومة العدالة ومن بينها الرشوة التي يلتجئ إليها إلى اليوم المواطن في المحاكم الذي يبحث عن حق يملكه أو لا يملكه لكنه ينشده بشتى الطرق. ويقبل عليها أيضا إلى اليوم بعض الفاعلين والمتدخلين في القضاء ربّما ممن تعودوا مثل هذه الممارسات ولم يشملهم أي نوع من المساءلة.
أزمة ثقة في القضاء
وخلصت بعض مداخلات أعضاء المجلس التأسيسي إلى وجود أزمة ثقة بين القاضي والمتقاضي لا سيما في ظل تكون عقلية بأكملها لدى شريحة واسعة من التونسيين تسعى للتعامل مع المنظومة القضائية إلى حد الآن على أساس كم ستدفع؟ ولمن ستدفع؟ ومن كرّس هذه العقلية هم بعض الفاعلين في المنظومة القضائية وسماسرة من خارجها. فأشارت بهذا الصدد النائبة فطومة الأسود نائبة رئيس لجنة القضاء العدلي والإداري والمالي والدستوري ( محامية) ان موكلتها التي ملت أطوار التقاضي والتأجيل أسرّت إليها أنها وجدت خيطا سيوصلها إلى القاضي الذي سيحكم في قضيتها. وتبيّن أن هذا الخيط هو "القهواجي" الذي يؤمّن القوة كل صباح للقاضي؟؟ من جهتها بينت النائبة فطومة عطية أنه تواصل بعد الثورة وجود قضاة ومحامين وكتبة محاكم وعدول تنفيذ يقبلون على الرشوة لأنهم تعوّدوا على امتداد أكثر من عقدين من الزمن على هذه الممارسات" وبالتالي فالسؤال المطروح اليوم كيف يمكن القضاء على هذه المعضلة؟" ويضيف النائب عبد الرؤوف العيادي أنه تكونت على امتداد السنوات الماضية ميليشيات من الفساد داخل المنظومة القضائية ليس لها علاقة بالعدل والقانون هذا بالإضافة إلى تغلغل قضاء العائلات ونفوذ العصابات مع ما رافق ذلك من تدهور للأخلاق والقيم وتفشي ظاهرة الرشوة "فأصبح لنا محاماة موازية وقضاء مواز" وتساءل بدوره عبد الرؤوف العيادي كيف للدستور أن يعالج هذه المسألة، فهل التنصيص على بعض المبادئ المتعلقة بالسلطة القضائية كاف أم أن الموضوع أكبر من الدستور وأكبر من إرادة واضعيه فتصبح القضية قضية مجتمع؟
هيئة لمساءلة القضاة
بدوره أقرّ العميد عبد الستار بن موسى في حديثه ل"الصباح" أن كل القطاعات شهدت فسادا طيلة 23 سنة بما فيها القضاء والمحاماة وكانت الرشوة موجودة والتعليمات أيضا وهذا ما يؤكده القضاة أنفسهم دون أن يعني ذلك أن كل القضاة فاسدون. كما كان أصحاب النفوذ والمال يتدخلون في كل أطوار التقاضي وصولا إلى تنفيذ الأحكام. ويضيف العميد أن الثورة لم تحجب ما قبلها من الممارسات الخاطئة وبالتالي فإصلاح القضاء اليوم يتطلب فتح ملفات القضاة الذين ثبت فسادهم و"كل من ارتكب جرما وحصل على رشوة يجب محاسبته وليس وزير العدل المعنى بالمسألة بل يتعيّن الإسراع في إحداث هيئة مستقلة ونزيهة تطلع على الملفات ومن ثبت فساده يقع عزله" تحدث العميد عبد الستار بن موسى أيضا عن ضرورة تجريم التدخل في القضاء والتنصيص على ذلك صلب الدستور. فغياب هذا المعطى سابقا فتح الباب للتجاوزات والتعليمات والرشوة كما يتعين مستقبلا معاقبة القاضى الذي يخضع لمثل هذه التأثيرات عن طريق عزله وعدم التردد في معاقبته جزائيا. ومستقبلا يجب أن يخضع انتداب القضاة إلى بحث أخلاقي دقيق لمعرفة نزاهته وتاريخه.