اذا كان لتصريحات أوكامبو المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية برفض الدعوى الفلسطينية ضد جرائم الاحتلال الاسرائيلي من رسالة تذكر فهي أنها أعادت الى السطح قضية مصيرية تتعلق باعلان الدولة الفلسطينية دون تأجيل وهي أيضا الرسالة التي يجب على المجتمع الدولي ان يسعى لتفعيلها وتحويلها الى حقيقة قائمة. وسيكون فعلا من غير المقبول على الديبلوماسية الفلسطينية أن تفوّت مجددا في هذه الفرصة وألا تعمد الى تحويل موقف المدعي العام الى حملة إعلامية وديبلوماسية وشعبية لا تتوقف قبل اعلان قيام الدولة الفلسطينية, إذ أن وبكل بساطة فان استمرار التأجيل يعني ضمان اسرائيل الضوء الأخضر مستمرا لمواصلة تنفيذ جرائمهما دون حساب أو عقاب.. أما التوقف عند حدود بيانات الاستنكار والاستغراب أو التنديد قبل ان تطوى القضية لتضاف الى بقية الملفات المتراكمة في أرشيف الأممالمتحدة فان ذلك لن يغير المشهد في شيء ولا يمكن إلا ان يدعم سياسة النعامة والهروب الى الأمام... وسيكون فعلا من الغباء بل ومن الظلم أن يمرّ هذا الموقف دون أن يكون نقطة تحوّل حاسمة في واقع القضية الفلسطينية. فليس من المنطق ولا من الإنسانية أو الأخلاق أو العدالة في شيء أن تسقط الدعوى الفلسطينية لملاحقة ومعاقبة الكيان الإسرائيلي المحتل على جرائمه التي تجاوزت انتهاكات مختلف القوى الاستعمارية السابقة بسبب عدم وجود دولة فلسطينية. والحقيقة أن المرء لا يحتاج الى أن يكون خبيرا في القانون الدولي ليدرك انقلاب الموازين والمكانة المتدنية للقضايا المشروعة في ميزان العدالة الدولية عندما تتحول الى عدالة عرجاء قابلة للتطويع والتلون وفق أهواء الأقوى... لو أريد للعدالة في مفهومها الواسع وللعدالة الدولية أن تكون مجرد شعار يرفع في المؤتمرات الاقليمية والدولية لما اختار مظلوم على وجه الارض مضاعفة مآسيه والانتظار على ابواب المحاكم ودعاة الحق وأعداء الباطل لانصافهم, ولو أن العدالة كانت مجرد كلمة تؤثت للمنابر الحوارية والمؤتمرات وتجمل بيانات صناع القرار الحماسية لما أقدمت الامم والشعوب المتعاقبة من مختلف الحضارات والانتماءات على التضحية بأغلى ما لديها بحثا عن الحقيقة وحرصا على انصاف البؤساء.. من هذا المنطلق فان الاعلان الذي صدر عن أوكامبو المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بلاهاي ورفضه الدعوى الفلسطينية وقف التحقيق في جرائم الحرب الاسرائيلية المرتكبة في غزة بدعوى أن فلسطين ليست دولة لا يمكن اعتباره موقفا محايدا أو من دون حسابات مسبقة ولاشك أن تبرير المدعي العام بأن المحكمة مختصة بالنظر في قضايا الدول الاعضاء لا يمكن الا أن يصيب «العدالة» بالخجل ويعزز القناعة بأن العدالة الدولية لاتزال أبعد ما تكون عن الاستقلالية والموضوعية والنزاهة خاصة عندما يتعلق الامر بالقضية الفلسطينية وبحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة في الحرية والعدالة والسيادة شأنه في ذلك شأن بقية شعوب العالم... صحيح أن فلسطين لا تزال تعتبر عضوا مراقبا في الاممالمتحدة وهي التي وثقت ولادة الكيان الاسرائيلي قبل ان يتمرد عليها وعلى قرارات الشرعية الدولية, وصحيح أيضا أن كل الجهود الديبلوماسية الفلسطينية لاعلان الدولة الفلسطينية قبل أشهر لم تنجح في تحقيق ما كانت تسعى اليه وذلك بسبب الفيتو الامريكي والرفض الاسرائيلي ولكن يبدو ان ما تجاهله أوكامبو بقراره الذي أسعد القيادات السياسية والعسكرية الاسرائيلية وجنبها المساءلة والمحاسبة أن أكثر من مائة وثلاثين بلدا من مختلف القارات اعلن اعترافه بفلسطين وأن الاعتراف الشعبي من مختلف شعوب العالم قد سبق الاعتراف الرسمي طويلا. وأن المدعي العام قد نسي أيضا أن حصول فلسطين بالاجماع على عضوية كاملة في اليونسكو كان بمثابة الصفعة بالنسبة لاسرائيل ولكل القوى التي تحرص على توفير الحصانة والحماية لمجرمي الحرب الاسرائيليين وتمنحهم الضوء الاخضر لمواصلة جرائم الاحتلال والقتل البطيء.. مطلوب اليوم أن يتحول موقف أوكامبو من رفض الدعوى الفلسطينية بملاحقة اسرائيل الى قرار دولي بتحديد موعد معلن لاعلان الدولة الفلسطينية.. فلا تسمحوا بتفويت الموعد مرة أخرى... آسيا العتروس