الأوضاع اليوم في مالي غير مستقرة ومن المرجّح أن تزداد سوءا في الأيام المقبلة، خاصّة بعد إعلان حركة تحرير أزواد كبرى فصائل المتمرّدين الطوارق استقلال إقليم أزواد الواقع شمالي العاصمة باماكو عن الحكومة المركزية... جاء ذلك بعد أن استغلّ متمرّدوها المتحالفين مع تنظيم «القاعدة في المغرب الاسلامي» الانقلاب العسكري الأخير وهشاشة الوضع الأمني لتحقيق انفصال الشمال الذي طالما كان حلما يراودهم. هذه التطورات الأخيرة لم تشكل مصدر قلق لدولة مالي فقط أو بلدان الجوار، بل سمع صداها أيضا لدى المجتمع الدّولي الذي أعرب عن عميق قلقه من مخاطر استحالة معالجة الوضع الأمني مستقبلا، لأن انضمام مقاتلي الطوارق بامتدادهم الشعبي ل «القاعدة» بشحنتها الدينية من شأنه أن يحوّل هذين الطرفين إلى جبهة من أقوى الجبهات العسكرية في المنطقة بشكل عام، وعندها لن يكون أمام الحكومات إلّا الرضوخ لمطالب هذا التحالف «الشيطاني». والطوارق هم سكان ثلاث مدن كبرى بشمال مالي تمّ ضمّها في عهد الرئيس مديبوكيتا سنة 1960 إلى الحكومة المركزية وتشكل اليوم أكثر من ثلث أراضي البلاد، لكن الانحياز الثقافي المعادي للحضارة الاسلامية المناهضة للاستعمار الفرنسي شكل أرضية ملائمة لتهميش هذه المناطق من قبل الحكومة المالية التي ينحدر معظم أعضائها من الجنوب والمعروف انخراطهم في الأجندة الاستعمارية منذ عقود، وهو ما دفع إلى تحرّك الطوارق، حيث بدأوا ثورتهم سنة 1961 من كيدال ولاقوا آنذاك ردّا عنيفا من القوات المالية التي تلقت دعما من المغرب والجزائر. لكن سياسة الحديد والنار التي انتهجتها السلطات المالية لم تنجح في القضاء على حركات التمرّد في أزواد والتي استمرّت في إصرارها على المضي قدما في طلب الانفصال، بحيث تشكلت عديد التنظيمات والحركات المسلحة المطالبة باستقلال الاقليم في إطار فيدرالي، وأهمها الحركة الشعبية لتحرير أزواد التي مثلت اطارا جامعا لنضال الطوارق السياسي والعسكري ضد تجاوزات الحكومة المركزية في باماكو، بالإضافة إلى حركة أنصار الدّين المتشبّعة بطرح «القاعدة» وهي حركة ذات توجّهات اسلامية تميل للتأثر بالحركات السلفية. وقد شكل هذا التقارب الأيديولوجي قاعدة أساسية للتحالف بين متمرّدي الطوارق وقيّادي «القاعدة في المغرب الاسلامي» كجبهة واحدة في مواجهة حكومة باماكو. ويبدو أنّ من بين الأسباب الرئيسية التي دفعت متمرّدي الطوارق ومسلّحي «القاعدة» في المنطقة إلى التحرّك في هذا الوقت الكميات الهائلة من السلاح التي نجح في تهريبها مسلحو الطوارق الذين كانوا يحاربون في صف القذافي في ثورة « 17 فبراير» والتي قاموا بدورهم بتسريب جزء منها إلى «القاعدة»، بالإضافة إلى عودة العديد من قيادي الطوارق من ليبيا بعد سقوط النظام السابق الذي كانت تربطه بهم علاقات وطيدة وظل يهيمن بشكل كبير عليهم بما يخدم مصلحة حكومة مالي، هذا إلى جانب استغلال المتمرّدين لعامل هشاشة الوضع الأمني غداة الانقلاب العسكري. إنه وبمعزل عن خطورة حركة التمرد هذه في شمال البلاد، فإن الخطر الحقيقي يكمن في انضمام الأخيرة إلى تنظيم «القاعدة في المغرب الاسلامي» بحيث سيشكل هذا التحالف جبهة عسكرية موحّدة تزيد من نفوذ التنظيم في نقطة استراتيجية تجمع حدود كل من الجزائر والمغرب ومالي. ولهذا لا بد للمجموعة الدولية أن تتحرّك ولا تقف موقف المتفرّج إزاء هذه التطورات التي لا تهدّد السلام والأمن في دولة مالي وحدها، بل وفي كل المناطق المحيطة بها.