بقلم: نور الدين عاشور يبدو أنه لا مفرّ أمام الحكومة المؤقتة إلا محاولة البحث عن مخرج من الكماشة التي وضعت فيها نفسها قبل أكثر من مائة يوم، وذلك أمام حصيلة لا يصعب الجزم بإيجابيتها، خصوصا على ضوء بعض الأخطاء، فيكفي في السياسة أن تخطئ مرّة حتى تفقد الثقة، ويطمس السلبيّ -حتى إن كان ضئيلا- الإيجابيّ مهما كان حجمه وقيمته. هذه الحكومة واجهتها أزمات، بعضها نجحت في حلها، فيما فشلت في إدارة البعض الآخر منها، إما لأن تلك الأزمات افتعلتها، غير أنها فقدت القدرة على السيطرة على الأمور، وإما تلكأت في حلها لغايات لا نجد لها تفسيرا سوى الرغبة في إرساء وضع عام، يستند على إطالة أمد موازين القوى الحالية في الساحة السياسية، وهي موازين -بالتأكيد- تترجم هيمنة الترويكا. من تلك الأزمات الثلوج والفيضانات في الشمال الغربي.. وأحداث بئر علي بن خليفة.. وأزمة جامعة منوبة.. وتعيينات الولاة.. وقبلها مديري مؤسسات إعلامية ورؤساء تحرير فيها.. وارتفاع الأسعار.. وإيقاف مدير صحيفة «التونسية».. والضجة التي أحدثها الدعاة.. وقمع مظاهرات شارع بورقيبة.. والدعوات إلى القتل سواء ما تعلق بالباجي قائد السبسي أو اليهود.. إضافة إلى الاعتداءات على المقدسات الإسلامية والمسيحية... القائمة طويلة والحكومة تتفنن في إدارة الأزمات وكأن الأمر لا يعدو أن يكون إلا ربحا للوقت إلى حين تنظيم الانتخابات التشريعية، التي أصبح الكثيرون ينتظرونها خصوصا بعد اقتراح موعد لها.. وهنا لا بد من التوقف عند أمر هام وهو: كيف يمكن للحكومة الخروج من المأزق دون أن تفقد ماء الوجه؟ الحل يكمن في تحوير وزاري كما يروّج حاليا وهو من الناحية النظرية كفيل بتخفيف الضغط عليها، فيما أن دخول وجوه جديدة -خصوصا إذا كانت من خارج الترويكا- سيريح هذه الأخيرة من تحمّل البعض من المسؤولية بالنسبة لملفات هامّة. وتبدو الأجواء العامّة حاليا في حاجة إلى تحوير وزاريّ، يكون بمثابة بخاخة ترش روائح جديدة في غرفة مقفلة ولم تتمّ تهوئتها منذ فترة طويلة، ولعل ما شهده شارع بورقيبة يوم 9 أفريل من عنف من قبل قوات الأمن ونوعية الشعارات التي رفعت ضدّ الحكومة والنهضة، خير ترجمة عمّا آلت إليه الأجواء العامة من احتقان، ومحاولة «تصفية» حسابات. ويمكن القول إننا دخلنا بالفعل في فترة تجميع الصفوف للانتخابات، وإذا كانت تبدو متماسكة وموحدة الصفوف، فإن حزبين في الترويكا وهما المؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل لا تبدو أوضاعهما الداخلية بخير، فالصراعات والخلافات داخلهما على أشدّها. وأمام هذا الوضع تستعدّ الساحة السياسية لتحوّل كميّ ونوعيّ من خلال مشروع قائد السبسي، بإنشاء حزب وسط كبير يضمّ البورقيبيين والتجمعيين، وإنشاء حزب جمهوري من خلال توحّد الديمقراطي التقدمي وآفاق تونس وعدد آخر من الأحزاب.. فالساحة السياسية ستصبح أمام معطيات جديدة مفادها أننا سنكون أمام «جيغا-أحزاب»، أي أحزاب قد تصبح عملاقة سواء من حيث عدد المنخرطين فيها واتساع قواعدها، أو من حيث توجهها ككتل وسطية تكون قادرة على سدّ فراغ الوسط الذي لوحظ في انتخابات أكتوبر الماضي، وقادرة على الاستفادة من أخطاء أحزاب التريوكا. ولكن كيف سيكون التحوير الوزاري؟ وهل سيشمل وزارات السيادة أو بعضها؟ وهل يكون قد جاء متأخرا في حالة إجرائه؟ إنها مجموعة من الأسئلة تنتظر الجواب، لأن الحكومة الحالية يهمّها أن لا تتأثر شعبية أحزاب الترويكا بفعل بعض الأخطاء أو التهاون في حل بعض الملفات. إلى حدّ الآن فإن الحكومة الحالية بصدد الوقوف أمام مرآتها، بحكم أغلبيتها في المجلس التأسيسي، وترى نفسها جميلة، متناسقة، متماسكة، وفعالة.. أما المحيطون فيريدون بها شرّا ولا يتصرفون ضدّها إلا غيرة منها.. لذلك فهي عرضة للتآمر.. وكل مظاهرة تقمع هي تنفيذ للقانون.. وتهتمّ بجرحى الثورة.. وتعمل على حماية القدرة الشرائية للمواطن... والحكومة الحالية تنظر أيضا في مرآة عاكسة، فترى بوادر زحف من الوسط، وهو ما سيحثها على الإقرار ببعض الأخطاء وتعديل الموازين وتنقية الأجواء العامة، وقد يدفعها إلى تعديل وزاري مرحلي علها تجد كبش فداء يتحمل الفشل على الأقل في ملفي التشغيل وغلاء المعيشة. وفي رواية أخرى يفهم المواطن الصالح الذي لا ينتهك قرار منع التظاهر بشارع بورقيبة، ولا يدعو إلى إسقاط الحكومة المنبثقة عن انتخابات حرّة وديمقراطية، ولا يشارك في المؤامرات، يفهم السياسة بطريقة أخرى عندما يتواصل اكتواؤه بنيران الأسعار... بعد زيارة ثلاثة وزراء إلى سوق الجملة للخضر وما أعقبها من «حملة» على الأسعار، فها هو معهد الإحصاء يعلن عن ارتفاع نسبة التضخم، التي بلغت خلال شهر مارس الماضي 5,4 في المائة بسبب ارتفاع أسعار غالبية المواد الاستهلاكية..