... وقصيدة إلى الشهيد المجهول بسوريا لم تنس فرحة الفنان العراقي نصير شمة بانتصار الثورة الشعبية في تونس التي شاء أن يعبر عنها في تونس وأمام الجمهور التونسي بعد أن خص بلادنا بلحن جديد بعنوان «للثورة شهداء ونشيد».. لم تنسه سوريا التي يسقط بها يوميا ومنذ أشهر طويلة عشرات الشهداء، ولا العراق الذي مازال ينتظر أن يغادره آخر جندي أمريكي. فمثلما عزف لتونس في سهرة حل فيها ضيفا على بلادنا وتحديدا على مركز الشيخ الفاضل بن عاشور للثقافة والفنون «التنوير» بالمرسى وهو مركز جديد تم تدشينه يوم الجمعة المنقضي فإنه عزف كذلك لسوريا والعراق. إنه وككل فنان ولد وعاش على الأرض العربية لا يجد نفسه إلا مسكونا بأوجاعها ومهموما بقضاياها التي تكاد لا تنتهي. أنصتنا لعوده وهو في قمة انتصاره للثورة التونسية يئن وجعا لآلام السوريين ويتوق للحظة تعود فيها العراق لأبنائهالعراقيين على اختلاف أعراقهم ومذاهبهم الدينية. عزف نصير شمة ليلتها لحنا للشهيد المجهول بسوريا بعنوان «بياض» إيمانا منه أن روح الشهيد تصعد إلى السماء في كامل نقاوتها وبياضها قائلا إن الآلاف من شهداء سوريا لا نعرف اليوم أسماءهم ولا هوياتهم. لقد كان اللحن عبارة عن قصيدة مهداة للشعب السوري الشقيق. لقد كان فيه الكثير من الشجن وضمنه الفنان شيئا من التراث الموسيقي السوري فإذا بالجمهور الحاضر وبكل تلقائية يرافقه بالغناء. عزف كذلك لحنا آخر للعراقيين حيث استسمح الجمهور التونسي قبل نهاية العرض أن يختتم السهرة بمعزوفة للعراق يراهن فيها على أن الغد سيكون أفضل.
لمسة حزينة
نصير شمة جاءنا إلى تونس محملا بعوده وبكم من المشاعر فيها الفرح وفيها الأمل وفيها كذلك الشجن ولمسة حزينة. تحدث ليلتها أكثر مما اعتدناه من هذا الفنان الذي كان في عروضه السابقة يقتصر على عناوين الألحان. قال إنه سعيد بحضور احتفالات افتتاح مركز ثقافي مُهدًى للشيخ الفاضل بن عاشور المعروف بدفاعه عن الوسطية معلنا أنه من المهم أن يأتي هذا الحدث مباشرة بعد احتفال منظمة اليونسكو بمولانا جلال الدين الرومي. جاء نصير شمة إلى تونس التي لا نستطيع أن نقول أنه يزورها كضيف بعد أن قضى بها سنوات وشارك مواطنيها لحظات فرحهم وهمومهم وإنما كواحد من أبنائها يفرح لفرحهم ويتألم لآلامهم فعزف النشيد الوطني أو كما قال هو نشيد السلام الوطني التونسي بطريقة فيها الكثير من الخشوع، لمس فيها الجمهور الصدق فصفق بحرارة. جاء نصير شمة -محملا بتحية إلى تونس الثائرة ضد القمع- إلى بلادنا التي أصبح الناس يتلقفون أخبارها بفضل الثورة الشعبية كما قال هو بنفسه خلال العرض الذي قدمه بالمناسبة. جاء محتضنا لعوده الذي كان كالعادة مطواعا بين يديه تنساب منه الموسيقى بلا عناء حتى أن الجمهور كان يتحول في كل مرة إلى كورال يرافق العازف ويردد كلمات الأغاني المعروفة بمجرد أن يتفطن إلى اللحن. عزف لحن أغنية «تحت الياسمينة في الليل» و«لاموني اللي غاروا مني» و«الورد جميل» إلخ... السهرة كانت خفيفة ولم تستغرق وقتا طويلا ولكنها كانت حاملة لمعاني عميقة. نصير شمة أهدى تونس أقصى ما يمكن أن يقدمه الفنان لأرض تحررت من ربق الديكتاتورية بعد أن تضمخت تربتها بدماء الشهداء. لقد أهداها احترامه وموسيقاه ومشاعره التي تحولت بين أصابعه إلى موسيقى. وإذا ما نطقت الموسيقى فأي من اللغات بقادرة على التعبير بشكل أوضح وأبلغ؟