- تقدم نوّاب عن حزب المؤتمر من أجل الجمهورية مؤخّرا إلى المجلس الوطني التأسيسي بمشروع لتنقيح المرسوم المتعلق بتنظيم وتمويل الأحزاب السياسية (الصباح 12 أفريل 2012)، ويرمي مشروع التنقيح إلى إضافة منع يسلّط على كل من ساهم في حكومات النظام السابق وفي حزبه المنحلّ من الانخراط في حزب سياسي لمدّة خمس سنوات، ولئن كانت لهذا التنقيح أهدافا انتخابية وسياسية واضحة فإنه يتعيّن إبداء بعض الملاحظات القانونية حوله وحول المرسوم عدد 87 عموما : 1 - باعتباره إجراء استثنائيا يسقط تطبيقه بنهاية دواعيه فيمكن مناقشة مثل هذا الحظر إن حصل على الموافقة المبدئية في المجلس الوطني التأسيسي ضمن القانون الانتخابي المقبل الذي سيصدره المجلس عوضا عن التنصيص عليه صلب المرسوم المتعلق بالأحزاب السياسية لأن هذا المرسوم يهدف على المدى البعيد كما ينصّ عليه فصله الأول إلى ضمان حرية تكوين الأحزاب السياسية والانخراط فيها كما تضمنها الاتفاقيات الدولية التي أبرمتها الجمهورية التونسية، و لا يمكن بالتالي أن يتضمن المرسوم أحكاما استثنائية وظرفيّة تميّز بين المواطنين والمنخرطين بحكم انتماءاتهم السياسية السابقة بل بحكم تمتّعهم أو فقدانهم لحقوقهم المدنية والسياسية كاملة وذلك طبقا لأحكام قضائية صادرة للغرض (الفصل 6). 2 - ثمّ فإن التنصيص على هذا المبدأ ضمن القانون الانتخابي المقبل يعني ضمنيا الإقرار بأن منظومة العدالة الانتقالية لن تعطي أكلها في محاسبة الأطراف الفاعلة في النظام السابق وفي حزبه المنحلّ قبل تنظيم الانتخابات المقبلة، إذ يكمن الفرق الجوهري بين الفصل 15 من المرسوم المتعلق بانتخابات المجلس الوطني التأسيسي ومشروع التنقيح المزمع إدخاله على مرسوم الأحزاب في وجود وزارة مكلفة اليوم بالعدالة الانتقالية بما تعنيه من إجراءات المحاسبة والمصالحة ولذلك فلا فائدة ترجى من هذا التنقيح في صورة تقدّم أشغال منظومة العدالة الانتقالية نحو كشف الحقائق، ففي حالة نجاح هذه المنظومة في محاسبة المتنفذين من النظام السابق ومن حزبه المنحلّ قبل الانتخابات المقبلة أو حتّى بعدها يصبح هذا التنقيح غير ذي جدوى خاصة وأنّه يفتقد للفاعلية القانونية بالنسبة لمن أفلت من المحاسبة بعد خمس سنوات من صدور التنقيح أو لمن انتفع فعليّا بإجراء المصالحة في نفس التاريخ. 3 - ويجب الإشارة في هذا الصدد إلى إنّ أغلب الأحزاب التي يمكن أن يطالها المنع قد تكوّنت قانونا وتنشط حاليّا في كنف الشرعيةص إليها ما عدى حالات إخلالها بالواجبات التي يفرضها المرسوم، هذا بالإضافة إلى أنّ عددا لا يستهان به من المنخرطين ومن المتعاطفين مع الحزب المنحلّ يحتلّون اليوم مناصب إدارية متقدّمة في الدولة وفي عدد هام من الأحزاب السياسية التي ناضلت ضدّ النظام السابق وحزبه المنحلّ ممّا يمثّل قرينة أوّليّة للمصالحة الفعليّة أو الواقعيّة ويتناقض بالتالي مع مشروع التنقيح. 4 - لذلك فمن الضروري إسناد الأولوية بالنسبة للتنظيم القانوني للأحزاب السياسية إلى تفعيل المرسوم عدد 87 والعمل به وتطبيقه فعليّا وخاصة الأبواب 3 و4 منه المتعلقة بالأحكام المالية والتي بقيت إلى اليوم غير نافذة بأتمّ معنى الكلمة ممّا من شأنه أن يثير عدّة إشكاليات قانونية حول شرعية الأنشطة الحزبية عموما. فقد فرض المرسوم على الأحزاب السياسية جملة من الضوابط والواجبات المتعلقة بطرق التصرف في التمويل ومسك الدفاتر والسجلات وتعيين خبراء محاسبين وتقديم القوائم المالية إلى هيئة قضائية (الفصل 26)، كل هذه الواجبات تحتاج إلى تفعيل وتطبيق لأنّ أهمّ الإشكاليات العالقة حول أنشطة الأحزاب السياسية لا تزال مرتبطة باحترام الشروط القانونية للإنفاق السياسي وطرق التصرف في الموارد وإحكام الرقابة على مصادر التمويل الداخلي والخارجي. أستاذ جامعي في القانون العام والعلوم السياسية