دعا بعض السياسيين من حزب النهضة مؤخرا إلى خوصصة الإعلام العمومي، وعلى رأسهم زعيم الحزب راشد الغنوشي وعضو المجلس التأسيسي عامر العريض الذي أشار إلى أن تونس لن تكون حالة فريدة في العالم لأنّ الولاياتالمتحدة اعتمدت هذه الإستراتيجية. إلا أنّه وعلى عكس ما صرّح به وروّج له، فإنّ الولاياتالمتحدةالأمريكية كغيرها من الدول تمتلك وسائل إعلام عمومية. صحيح أنّ الجزء الأكبر من المؤسسات الإعلامية الأمريكية يتبع للقطاع الخاص، إلا أنّ عددا لا بأس به من الإذاعات والتلفزات ينتمي للقطاع العمومي، وتتلقى هذه المؤسسات تمويلها من الحكومة الفدرالية عبر «شركة البثّ العمومي» (Corporation for Public Broadcasting (CPB). ولا يقتصر الأمر على مؤسسات إعلامية فقط ولكن تضمّ الولاياتالمتحدة أيضا مؤسسات إنتاج عمومية تتكفل بإنتاج برامج ومنوعات للإذاعات والتلفزات العمومية. وقد ظهر البث العمومي في الولاياتالمتحدة في بداية القرن الماضي، إذ كانت جميع محطات الموجات القصيرة الأمريكية في أيدي القطاع الخاص، قبل الحرب العالمية الثانية. ويعد «الإعلام الأمريكي العمومي» «American Public Media» ثاني أكبر منتج وموزع لبرامج الراديو، بعد «الراديو العمومي الوطني» «National Public Radio» في البلاد. «صوت أمريكا» تعتبر إذاعة «صوت أمريكا» (The Voice of America) أشهر الأمثلة فيما يتعلق بالإعلام الحكومي في البلاد، فهي الإذاعة الرسمية للحكومة الأمريكية، بل تعتبر من أشهر المحطات الإذاعية في العالم، وتسيطر عليها الدولة سيطرة مباشرة. وقد تأسست في 24 فيفري 1942 وكانت تبث برامج عن الحرب العالمية الثانية، موجهة بصورة خاصة إلى أوروبا وشمال إفريقيا وألمانيا النازية. وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وجهت هذه الإذاعة بثها إلى الاتحاد السوفياتي، وكانت الإذاعة ومازالت تبث الخطاب الأسبوعي للرئيس الأمريكي. وللإشارة يبث «صوت أمريكا» -الذي يضمّ محطات إذاعية وقنوات تلفزية- اليوم برامجه الإذاعية ب45 لغة وبرامجه التلفزية ب24 لغة. وهذه السياسة الإعلامية التي اعتمدتها الولاياتالمتحدةالأمريكية خلال الحرب العالمية الثانية مازالت مستمرة تهدف بالأساس إلى تلميع صورة أمريكا في الخارج عبر سياساتها العامة في مختلف المجالات، وكذلك كان الأمر مع قناة «الحرة»، وهي قناة تمولها الحكومة الأمريكية، التي لا يعلم الكثيرون أنّها ممنوعة من البث في الداخل الأمريكي بسبب قانون سميث موندت عام 1948 بشأن بث الدعاية الدبلوماسية. مئات المؤسسات العمومية إن كانت المؤسسات الإعلامية الموجهة إلى الخارج تهدف أساسا إلى تلميع صورة الولاياتالمتحدة وتحصل على تمويلها من الحكومة الفيدرالية، فإنّ عددا من المؤسسات العمومية تتبع بالنظر إلى البلديات أو الولايات أو الجامعات أو المنظمات غير الربحية. ويتابع نحو 170 مليون أمريكي 368 تلفزة و934 محطة إذاعية عمومية. وتتحصل على جزء من تمويلها من الحكومة ويقدر ب10 بالمائة التي وقع مؤخرا تخفيضها، في حين يتأتى بقية تمويلها من الدعم والإشهار.