تعمّد البعض من المنتجين خلط الحليب بالماء والسعي إلى التّرفيع في أسعار الحليب الطازج تونس الصباح: مازالت ظاهرة نقص مادة الحليب في السوق متواصلة، ولم يسجل لحد الان توازن كاف بين العرض والطلب، وذلك على الرغم من جملة الاجراءات التي تم اتخاذها، والمجهودات التي بذلت عبر توريد الحليب لتغطية حاجيات السوق منه. وبقطع النظر عن الاسباب الحقيقية الكامنة وراء نقص هذه المادة، وعلى هامش الازمة الحاصلة في هذا المستوى، يبدو ان جملة من الممارسات او المظاهر قد برزت، واستغلها البعض من المنتجين بنية الربح، مستعملين اساليب غش، ومستغلين فرصة نقص هذه المادة في السوق للترفيع في اسعار الحليب الطازج من ناحية وتصريف كميات هامة من انتاجهم الطازج للمستهلك، دون تقديمها لمراكز التجميع. فلماذا تفشت هذه الظاهرة رغم جملة القرارات والاجراءات المتخذة بشأن بيع الحليب الطازج؟ وما هي ابرز الممارسات المخلة بالقانون التي عمد اليها بعض المنتجين؟ ولماذا عمد هؤلاء الى لترفيع في اسعار الحليب الطازح الى حد بيعه ب800 مليم للتر الواحد؟ وفي الاخير أين المراقبة لتطويق هذه الظاهرة؟ مظاهر الاعراض عن بيع الحليب لمركزيات التجميع يبدو ان جملة القرارات التي تم اتخاذها اثر النقص المسجل في مادة الحليب، وما صاحبها من اجراءات لم تمس القاعدة الواسعة من منتجي الحليب، وخاصة الصغار منهم، على اساس انها لم تحافظ على مصالحهم لا من قريب ولا من بعيد. وقد كنا اشرنا في مقال سابق الى الوضع الذي عليه نسبة هامة من صغار المنتجين، وعلاقتهم بمركزيات التجميع التي تستغل وضعهم، وتسلط عليهم قيودا وممارسات جد قاسية. وقد اشرنا الى من الممارسات التي يقوم بها بعض اصحاب مركزيات تجميع الحليب تجاه المنتجين الصغار مثل التباطئ في خلاص مستحقاتهم وطول المدة، وفرض بيع مادة العاف المركب، وما الى ذلك من الاساليب التي ضجر منها المنتجون الصغار. وعلى الرغم من قرارات وزارة الفلاحة للترفيع في سعر الحليب عند الانتاج، تم التلاعب بهذا القرار ولم يمنح لصغار المنتجين على اساس توظيف اسعار نقل الحليب الى المركزيات الذي يحتسب من طرف البعض، ويوظف على كاهل هؤلاء المنتجين الصغار. فأين آلت هذه الوضعية في ايامنا هذه؟ وما مدى انعكسات بعض التصرفات على منظومة الحليب بشكل عام والمستهلك بصفة خاصة؟ نقص الحليب في السوق فسح المجال لبيعه طازجا افاد بعض أصحاب مركزيات تجميع الحليب، ان نقصا واضحا قد حصل في كميات الحليب الطازج المجمع لديهم يوميا والمتأتي من المنتجين، واشار هؤلاء الى ان التعويل في تجميع الحليب بات مقتصرا على المنتجين الكبار، اما صغار المنتجين فقد عمدوا في معظمهم الى توزيع حليبهم الطازج على المستهلكين بشكل مباشر. ويبدو ان هذه الوضعية قد اربكت العديد من مركزيات التجميع، حيث ان الكميات المحدودة المجمعة لديهم يوميا لم تعد تفي بمستوى النشاط الذي يقومون به تجاه مركزيات التحويل. ويشير بعض المراقبين الى ان تفشي بيع الحليب الطازج، والاقبال عليه من المستهلكين، قد فرضته عوامل النقص المسجل في مادة الحليب المعقم في السوق، مما قاد المستهلكين الى تحويل وجهتهم الى الحليب الطازج، خاصة ان منتجيه يضمنون لهم استمرارية التزويد به يوميا الى غاية مقرات سكناهم. من ناحية اخرى عمد المنتجون الصغار الى الترفيع في اسعار الحليب الطازج، حيث بلغ سعر اللتر الواحد ما بين 700 و800 مليم ورغم هذا الترفيع فقد سجل اقبال كبير على الحليب الطازج، ويمكن تفسير ظاهرة الترفيع في اسعار الحليب الطازج، باستغلال الظرف من قبل المنتجين الصغار، خاصة ان الاسعار التي يقدمها لهم اصحاب مركزيات التجميع متواضعة وفي حدود 50 في المائة فقط من الاسعار التي يبيعون بها الحليب بشكل مباشر للمستهلك. بعض المنتجين يلجأون إلى الغش ان مراقبة الحليب الطازج قد تراجعت على ما يبدو بشكل كبير، حيث يشار الى ان عمليات مزج هذه المادة بالماء قد تفاقمت.. حيث يعمد بعض المنتجين الى اضافة كميات من الماء الى الحليب الذي يقدمونه للمستهلك الذي لا يملك القدرة على معرفة وتحديد هذا الغش. كما يستغل المنتجون هذا الظرف امام غياب المراقبة التي كان يخضع لها منتوجهم عند التفريط فيه للمركزيات التي تعتمد تقيما علميا ثابتا لقيمة الحليب، ويمكنها ان تتأكد من سلامته او غشه عبر آلة " التراسور" المعتمدة في قيس كميات الماء داخل الحليب. لكن في غياب هذه العملية يبدو ان بعض المنتجين قد ترك الحبل على الغارب، وعمدوا الى اعتماد اساليب الغش مع المستهلك في غياب رقابة وتقييم ما يقدمونه من حليب طازج. ان هذه المظاهر ما كانت في الحقيقة لتحصل، وما كان يمكن تسجيل هذه المغالطات والغش، لو ان اصلاح المنظومة كان جذريا، وانطلق من معاينة اوضاع المنتجين الصغار، والضغط على اصحاب مركزيات التجميع في تعاملاتهم وتجاوزاتهم تجاه المنتجين. وقد كنا نبهنا الى هذا الامر في السابق، واشرنا الى اوضاع بعض المنتجين في جهات مثل ماجل الدرج بصفاقس وجبنيانة وغيرها من الاماكن التي تعج بانتاج الحليب من قبل منتجين صغار. فهل تتولى وزارة الفلاحة وضع خطة محكمة للحد من هذه التجاوزات، والبدء بالتالي من القاعدة في اصلاح الاوضاع؟