- في الوقت الذي انتظرنا فيه تفعيل إجراءات تعديل الأسعار بعد صيحات الفزع التي اطلقها المواطن المسكين إلا أنها واصلت انفلاتها وصعودها "الصاروخي" بشكل جنوني وغير مسبوق بأسلوب لم تشهده تونس على مدى العقود الماضية الى حدّ اصبح فيه التونسي عاجزا على اقتناء الضروريات وأصيبت اسعاراللحوم الحمراء والبيضاء والاسماك والخضر والغلال والمواد الاستهلاكية عموما بالجنون حيث واصلت تحليقها وطيرانها الى حدّ لا يطاق. ان بعض المواد تضاعف سعرها ثلاث مرات مقارنة بأسعار السنة الماضية وكلما انتظرنا إيجاد الاليات المناسبة والمثلى للسيطرة على ارتفاع الاسعار ومحاصرتها الا وزادت في «نطها»ومارست كل انواع القفز فالبطاطا بلغ سعرها 1400 مليم -في سابقة فريدة من نوعها- والطماطم تجاوزت 2200 مليم دون ان نتحدث عن الفلفل وبعض الخضر والغلال التي تجاوز الكثير منها سعر بعض الأدوية.. تصوروا رائحة الشواء التي تعودنا على شمها في الانهج وفي كل شارع لم يعد لها اثر واصبحنا نشتم رائحة شواء آخر.. انها رائحة تنبعث من «اشتعال» و«احتراق» «الزوالي واللي ما عندو والي» التي تبدو على ملامح المواطنين في كل سوق، وفي كل شارع، وفي كل نهج الى حدّ تفاجأ احيانا ببعض الناس يحدثون انفسهم بصوت عال لان لهيب الاسعار لفحهم وتجاوز امكانياتهم.. ولاشك انه بعد استبشار المواطن بضبط اسعار عدد من المواد الاستهلاكية التي تم اقرارها في فيفري الماضي اثر اجتماعات وزارية فان أمله خاب ودليله احتار بعد وان واصلت الاسعار انفلاتها. والغريب انه كلما بدا الحديث عن الحلول الا وتطرح الكثير من الاستفهامات حول تطبيقها في ظل الوضع الامني الاستثنائي الذي تعيشه البلاد ورغبة بعض الاطراف في «الاستكراش» على حساب المواطن المسكين. ولئن كشف وزير الفلاحة محمد بن سالم أمس ل «الصباح» ان تفاقم عمليات التهريب وراء ارتفاع الاسعار وانه تم اقرار جملة من الاجراءات لمحاصرتها منها تكثيف عمليات المراقبة والتصدي للتهريب عبر دوريات مشتركة بين الجيش والامن والتجارة وتوخي صرامة اكبر في مراقبة السلع المتنقلة نحو الجنوب فاننا نؤكد ان المواطن لم يعد يهمه الحديث عن الاجراءات التي تتخذها الحكومة بقدر ما يتمسك بحقه في ايجاد الحلول المثلى لإطفاء لهيبها باعتبار ان البلاغات تواترت والوعود تكررت طوال الاشهر الماضية لكن الامور كانت تسير في الاتجاه المعاكس لما يشتهيه المواطن. نعلم جيدا ان مسألة تحديد الاسعار متداخلة ومعقدة في ظل رمي كل طرف الكرة للطرف الآخر لكن مهما كانت التعقيدات فانه يتعين على الحكومة تحمل مسؤولياتها وايجاد الاجراءات والاليات الفاعلة التي تمكن من اطفاء اللهيب الذي تجاوز قدرات تحمل المواطن خاصة ان مستوى المعيشة اصبح مرتفعا ولا يتماشى مع اغلب الشرائح الاجتماعية التي تشعر بالغبن والاحتقان في وقت نحتاج فيه الى الاستقرار.