وكالة التنقيب عن المياه التابعة لوزارة الفلاحة ومقرها الاجتماعي بمدينة مقرين والمحدثة منذ الاستعمار الفرنسي ببلادنا تقوم بأشغال التنقيب وحفر الآبار العميقة لحساب الهيئات العمومية والخاصة بالمناطق النائية وذات المسالك الوعرة بكل ولايات الجمهورية كما أنها تساهم في التنمية الريفية وتتدخل لإحياء و معالجة الآبار القديمة والمعطبة وجعلها قابلة للاستغلال وتلافي تعويضها بآبار أخرى جديدة هذه الوكالة هي الآن مهددة بالزوال نتيجة التهميش وسوء التصرف والإهمال. «الصباح» حاورت بعضا من أعوانها الذين يطلقون صيحة فزع مطالبين بتكوين لجنة وطنية محايدة لمعاينة ظروف عملهم المتردية والحالة الكارثية التي آلت اليها الوكالة.
ظروف صحية ومهنية سيئة
يشتكي عمال واطارات وكالة التنقيب عن المياه من ظروف العمل والاقامة والصحة العامة فهم يقيمون خلال الفصول الأربعة في «برارك» خشبية قديمة وضيقة مخصصة للنوم والطبخ معا تفتقر الى أبسط الظروف الصحية دون تكييف في الصيف أو التدفئة شتاء يأكلون ويشربون في أواني بلاستيكية كانت معدة لمواد كيمياوية كما يتعرضون الى حوادث شغل خطيرة جراء تقادم التجهيزات والمعدات وطبيعة الأشغال الشاقة التي يقومون بها. فالوكالة التي كانت تشغل سابقا حوالي 800 عاملا واطارا ب36 حضيرة تنقيب تقلص هذا العدد ليصبح حوالي 250 عونا و 10 حضائر فقط علما وأن 60 بالمائة من الأعوان الباقين تجاوزوا 52 سنة وأصيب العديد منهم بفقدان البصر وقصور الكلى والروماتيزم والحساسية المفرطة والسرطان . وتعاني الوكالة اليوم من صعوبات لإعادة توظيف 118 عونا أصبحوا عاجزين تماما عن العطاء نتيجة تقدم العديد منهم في السن أو تعرضهم الى حوادث شغل ألحقت بهم أضرارا صحية ومعنوية جسيمة ورغم ذلك فهم ملزمون بمواصلة الإنتاج الذي تدنى كثيرا.
وضع مالي سيء وعجز بالمليارات
الطاهر النويري كاتب عام نقابة وكالة التنقيب عن المياه يقول انه ب«الرغم من أن لهذه المؤسسة الوطنية أفضال كثيرة على معظم التونسيين بمختلف شرائحهم وبمختلف الجهات الريفية والحدودية كتوفير الماء الصالح للشرب لعديد المتساكنين وتحويلها لمناطق جبلية وصحراوية الى أراض خضراء كانت قديما جدباء ومنسية كبرج الخضراء ورجيم معتوق وقصر غيلان... فان هذه المؤسسة تعاني اليوم من التهميش وسوء التصرف المالي والاداري فهي ترزخ تحت أعباء ديون ثقيلة متخلدة بذمة المزودين والذين توقف أكثرهم عن تزويدنا بالمواد الأولية اللازمة وقطع الغيار ومستلزمات الحفر والأنابيب». ويضيف محدثنا بقوله «لقد كنا في السابق نحفر أكثر من 20 ألف متر في السنة لفائدة المجموعة الوطنية واليوم أصبح عملنا محدودا لا يتجاوز 3 آلاف مترا فقط لا تكفي عائداتها خلاص الأعوان كما أن الكثير من ورشاتنا بقابس والقصرين وتوزر والقيروان وقفصة أغلقت أبوابها ولم يبق لدينا سوى ورشتين فقط لأن الكثير من المعدات والتجهيزات ، أصبحت بالية وغير مجدية وأحيلت على الطرح وهي الآن مكدسة بالورش المغلقة، فكم من آلة حفر عملاقة كانت تقوم بحفر حوالي 8 آبار عميقة في السنة هي الآن معطبة لعدم توفر قطع الغيار اللازمة لها ومن المؤسف جدا أن معظم المشرفين على الوكالة لم يزوروا الحضائر ولا يعرفون عمالها ويجهلون ظروف عملهم ومعاناتهم اليومية». محمد بالحاج أحد قدماء أعوان الوكالة يقول أن «معظم الأعوان أصحاب الخبرة الطويلة والقيمة الفنية العالية اما جمدوا وأبعدوا عن مجال اختصاصهم أو وقعت نقلتهم الى فروع أخرى بإدارة الفلاحة كحراس أو حجاب أمام المكاتب الادارية.. وتلك هي الخسارة الكبرى للوكالة التي هي في حاجة ماسة الى خبرات كل أعوانها كما اشتكى أيضا من تأخير رواتب الأعوان وخلاص مستحقاتهم من منح التنقل والساعات الإضافية ومنح الخطر وعدم تمتعهم بزي الشغل وسندات النقل. ورغم أن الوكالة تعمل على التصدي لشتى أشكال ممارسات الاحتكار وعدم تكريس التفرقة بين الجهات وتقوم بانجاز المشاريع الخصوصية ذات الأولوية والمشاريع العاجلة لفائدة المؤسسات العمومية فان الوكالة لا يسمح لها بتوسيع نشاطها أو المشاركة في طلبات العروض الممولة من طرف هيئات عالمية كبرى كعروض البنك الافريقي للتنمية مثلا، كما تعاني الوكالة أيضا من المحسوبية والإقصاء من المنافسة الداخلية الشرسة لعدة شركات خاصة التي كانت سابقا ولا تزال إلى حد الآن تحظى بالعروض وحسب الشروط والأثمان التي تناسبها وكالعادة تستثنى منها الوكالة. عون آخر يقول انه أصبح من الضروري أن تنقح الوكالة في قانونها الأساسي وتغير نوعية نشاطها من نشاط إداري بحت إلى نشاط تجاري مع اعتماد المرونة في التصرف والتسيير وتشبيب القطاع وضخ دم جديد بالوكالة وادماج العمال العرضيين الذين يعملون منذ فترة واكتسبوا خبرة ولم يقع ترسيمهم الى حد الآن كما وجب تسريح الذين بلغوا سن 55 سنة واعتبار طبيعة عملهم ضمن المهن الشاقة مع ضرورة تجديد المعدات والتجهيزات كوحدات إحياء وحدات تصوير وحفارات ورافعات وأجهزة ضخ وظاغطات هواء وكذلك تجديد أسطول النقل من جرارات وشاحنات وسيارات و توفير المواد الأولية اللازمة للعمل. أما فيما يخص ديون الوكالة البالغة حوالي 3مليون دينار فيجب أن تتحمل الدولة بعضا منها أو كلها وتمكن الوكالة من قروض بنكية دون فوائض ومنحها مزيدا من التسهيلات لتسديد ديون المزودين . كما يؤكد الطاهر النويري على ضرورة تحسين الظروف المهنية والصحية للأعوان ومراجعة رواتبهم المتدنية وتمتيعهم بكل مستحقاتهم وكذلك وجوب إعطاء الوكالة فرصا لتوسيع نشاطها في مجال اختصاصها وانجاز برامج استثمارية واصلاح وتجديد هيكلتها ومواصلة نشاطها في ظروف مقبولة حتى تحقق توازنها المالي بالاعتماد على مواردها الذاتية دون اثقال كاهل الدولة مسقبلا. كما حذر أيضا من أن زوال هذه الوكالة هي خسارة كبرى للتنمية الوطنية والمحافظة عليها محافظة على حقوق المواطنين في العيش الكريم بعديد المناطق الريفية النائية والمحرومة.