جميع الطلبة كانوا حريصين على استقلالية الاتحاد تونس الصباح: بعد تسجيل شهادات تاريخية لعدد من السفراء السابقين وهم على التوالي المرحوم محمود المستيري وصلاح الدين عبد الله ونجيب البوزيري ومحمود المعموري والحبيب نويرة نظمت مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات أمس لقاء الذاكرة الوطنية واستمع المشاركون خلاله إلى شهادة السفير السابق مختار الزناد الذي تحدث عن اتحاد طلبة تونس.. وبالمناسبة بين الدكتور عبد الجليل التميمي أن الاستاذ المختار الزناد هو وال سابق وممثل دائم سابق لدى منظمة الاممالمتحدة والمركز الاعلامي التابع للامم المتحدة بفيينا. وأنه تحصل على الدبلوم من المدرسة الصادقية وعلى الاجازة في العلوم ثم دبلوم الدراسات العليا ودبلوم اللغة الانقليزية.. وتحول قبل ذلك إلى فرنسا سنة 1954 ليتابع دراسته في السربون ومعهد سان كلود العالي بباريس كما تحصل على إجازة في الفيزياء الحيوانية ودرس البيولوجيا كمساعد في كلية العلوم من 1964 إلى 1970 وكان أمينا عاما لاتحاد الطلبة وانتخب عضوا في اللجنة المركزية للحزب سنة 1963 والامين العام لاتحاد الشباب التونسي سنة 1965 ثم ترأس ديوان وزير التربية والشباب والرياضة وساهم خلال الفترة الممتدة من سنة 1974 إلى سنة 1976 في إدارة التعليم العالي والبحث العلمي بعد أن قام بجولة بعدد من الجامعات الافريقية الفرنكفونية لاعداد دراسة عنها وتمت ترقيته إلى وزير مفوض (1976 و1981) وعين سفيرا ببوخارست سنة 1981 وبفيينا سنة 1988 وساهم خلال مسيرته الدبلوماسية في عديد المؤتمرات الوطنية والدولية. بدايات الاتحاد بين الاستاذ المختار الزناد في شهادته التاريخية التي خصصها للحديث عن اتحاد طلبة تونس أنه حرص على تكوين جمعية أحباء اتحاد الطلبة لكن هذه الرغبة لم تتحقق.. وقال إنه لما كان تلميذا في الثانوي أقام سبع سنوات في مبيت المعهد الثانوي للذكور بسوسة ورغم الظروف الصعبة للدراسة فقد نجح الكثير من التلاميذ وأصبحوا إطارات في البلاد.. وبين أن هناك الكثير من الوزراء الذين انقطعوا عن الدراسة في سن مبكر ولكنهم اضطلعوا بمسؤوليات كبيرة وساهموا في بناء الدولة التونسية وإقرار الامن في مناخ صعب تميز بحرب بنزرت وحرب الجزائر. وذكر أنه في هذا المعهد أقام "بالقسم التونسي" حيث كان التلاميذ يشاركون في مناظرة مشتركة مع التلاميذ الذين يرغبون في الترشح للمدرسة الصادقية وكانت المناظرة ترمي إلى الاحراز على شهادة الدبلوم الصادقي.. وبين أنه لما كان يقيم في معهد سوسة اتصل عدد من الطلبة بالتلاميذ لدعوتهم للانخراط في الشبيبة المدرسية ومكنهم ذلك من استقاء الاخبار في وقت تحرص فيه السلطات الفرنسية على التعتيم عليها.. وهو ما ساهم في تكوينهم سياسيا وإذكاء روح الوطنية في نفوسهم. وبين أن نشاط الشبيبة المدرسية هو تمهيد للمشاركة في اتحاد الطلبة..لان المنظمة الدولية للطلبة اشترطت على اتحاد الطلبة أن يظم فقط الطلبة ولاحظ أن هناك من كان يرغب في تسميته بالاتحاد العام للطلبة التونسيين لكن الاتحاد الدولي للطلبة رفض هذه التسمية بغية تمكين الطلبة الدارسين بتونس ومن غير التونسيين من الانخراط فيه. وأضاف أنه بعد مرحلة الدراسة بمعهد سوسة التحق بفرنسا ودرس في جامعة السربون بباريس في قسم الفيزياء ولكنه لم يجد فيها أي طالب تونسي أو إفريقي وبعد فترة تعرف خارجها على عدد من التونسيين وتعرف على طلبة من جمعية الطلبة المسلمين بشمال إفريقيا وترشح لاتحاد الطلبة وانتخب ممثلا عن فرع باريس. وفي عام 1957 أصبح عضوا في جامعة فرنسا وبعدها انتخب كاتبا عاما لجامعة أوروبا. وقال إنه شارك في المهرجان الدولي للطلبة في موسكو في شهر جويلية 1957 وكانت مناسبة تعرف فيها عن كثب عن المعسكر الشرقي. وبين أنه زار الصين عام 1958 واكتشف الشيوعية عن قرب وزار المجموعات الشعبية ولاحظ أنه يعتقد أن سبب تقهقر الصين هو تعميم المجموعات الشعبية والقضاء على المثقفين. وفي تلك الفترة سحب الاتحاد السوفياتي إعاناته التي كان يمنحها للصين وهو ما جعل الوضع صعبا لكن هذا لم يمنع من نشر التعليم في كل أرجاء الصين الشعبية. بورقيبة واتحاد الطلبة.. تطرق المختار الزناد إلى مكانة اتحاد الطلبة وتحدث عن استقبالات الرئيس بورقيبة للهيئة الادارية لاتحاد الطلبة في عديد المناسبات وكان هذا الموقف على حد تعبيره يبعث في نفوس الشباب شعلة من الحماس. وكان بورقيبة حسب قوله يحرص على الاطلاع على اللوائح السياسية لمؤتمرات الاتحاد وبين أن اللائحة السياسية لمؤتمر اتحاد الطلبة كان يصادق عليها دائما بالاجماع لانه يتم إعدادها بدقة.. ففي الاتحاد كان هناك الدستوري والقومي الناصري والشيوعي والماوي.. وكان بورقيبة يقرأ اللائحة وكان يلوم الطلبة على بعض ما تحتويه.. فقد كان يرفض الاصلاح الزراعي على الطريقة السوفياتية فهذه الطريقة جعلت على حد رأي الرئيس البلدان الفلاحية تستورد القموح.. كما كان يلومهم على دعوتهم "للاعتراف بالصين الشعبية". وإلى جانب اللائحة السياسية هناك اللائحة النقابية التي تدعو إلى إصلاح التعليم وتعميمه وغيرها من المطالب. وذكر أنه لما عاد من مهرجان موسكو إلى تونس واكب مؤتمر اتحاد الطلبة عام 1957 وترأسه. ولاحظ أن هناك فروع عدة للاتحاد في مختلف الدول الاوروبية لكن المشرق العربي لم تكن له في البداية فروع وكان الطلبة ينخرطون في رابطات الطلبة إلى أن تكونت فروعه في المشرق. وذكر الزناد أن اتحاد الطلبة كان منظمة عتيدة وكانت عديد الاطراف تغازله.. وأنه كان يستمد قيمته من قيمة العناصر التي توجد فيه وكان بورقيبة يعيره أهمية قصوى كما كان سفراء الدول الاجنبية بتونس والمنظمات الدولية يتصلون به وكانت أمريكا تطلب من الاتحاد تعيين 5 طلبة لتمكينهم من زيارة أمريكا. ولكن رغم هذه العلاقات ورغم انخراطه في بعض المنظمات فقد كان اتحاد الطلبة يحرص على استقلاليته.. وأضاف أن علاقة اتحاد الطلبة كانت جيدة مع الاتحاد الوطني لطلبة فرنسا فقد كان هذا الاخير يحتوى على عناصر جيدة وكان منهم من عارض الاستعمار الفرنسي للجزائر.. ومن الانجازات الطيبة لاتحاد طلبة تونس إحداث كنفدرالية الطلبة المغاربيين عام 1958 وتبرز أهميتها في تقريب وجهات النظر بين طلبة بلدان المغرب العربي.. وذكر أن طلبة الاتحاد كانوا محظوظين رغم موارده المحدودة المتمثلة في معاليم الانخراطات والمنح التي يحصل عليها من الوزارات ومن بورقيبة. وتحدث الزناد عن زيارته لكوبا وحضور ندوة حول مقاومة الامية وجلب انتباهه أن التلاميذ أنفسهم هم الذين يرفعون الامية.. وبين أنه حضر خطابا لفيدال كاسترو دام 8 ساعات وقيل له إن كاسترو يمكن أن يخطب مدة 18 ساعة بصفة مسترسلة. كما تعرف على تشي غيفارا الذي شارك في الملتقى ولاحظ أن فيدال كاسترو يتمتع بشعبية كبيرة وأن الشعب الكوبي كان يشتعل حماسة.. تطور الاتحاد بين مختار الزناد أن اتحاد طلبة تونس يتكون من عدة تيارات سياسية وقال :"كان الطلبة في بداية الاستقلال يتمتعون بنضج فكري كبير لكن بمرور الاعوام لوحظ أن مستوى الطلبة ضعف كما برزت مشاكل تشغيل خريجي التعليم العالي.. وتم تطويق الحركات اليسارية وهيمن التيار الاسلامي على الحركة الطلابية في الثمانينات ومنذ ذلك الوقت بقي الاتحاد في أزمة إلى يومنا هذا.. فعدد الطلبة يزيد من سنة إلى أخرى لكن تواجدهم على الساحة السياسة تراجع". وبين أن الاتحاد كان قطبا من أقطاب الحركات النقابية والسياسية في تونس لكنه اليوم ليس له نشاط يذكر. وفي مؤتمر قربة وغيره كان الزناد يسمع الطلبة يقولون "أنت من قفة آش كون" فالولاءات كانت المسيطرة وهو ما كان له أثر سلبي على الاتحاد وما يدل على تضاؤل النضج السياسي وتراجع حرية التعبير وعدم القدرة على التحليل والاقناع. وفي هذا الصدد بين أن الاتحاد في بداياته كان ينصح الطالب الذي يحضر الاجتماعات بأن "يستمع" وحينما يكتمل نضجه يناقش.. وذكر أن اجتماعات اتحاد الطلبة دربت الطلبة على احترام الرأي المخالف واللجوء إلى الانتخاب والتصويت.. فرغم وجود تيارات عديدة داخل الاتحاد فلم تحدث انقسامات وكان هناك وفاق بين الجميع لحماية الاتحاد. ونظرا لان أعضاء الاتحاد لم يكونوا كلهم من الدساترة فقد تم تكوين الفدرالية الدستورية للطلبة التونسيين وكان لها دور ايجابي في تعزيز تواجد الحزب في اتحاد الطلبة. وخلال النقاش بين المؤرخ علية علاني أن مرحلة الستينات كانت حبلى بالاحداث حيث تعرض الكثير من الطلبة إلى محاكمات. وقال إن انتشار التيار الاسلامي في صفوف الطلبة ليس مرده فقط ضرب الزيتونة بل هناك عديد العوامل الاخرى. ولاحظ أن اتحاد الطلبة كان المنظمة الوحيدة إلى جانب اتحاد الشغل المتنفس للطلبة.. وقال المؤرخ محمد ضيف الله إن اتحاد الطلبة اليوم يختلف جذريا عن اتحاد طلبة الخمسينات والستينات ولا يشتركان إلا في التسمية. وبين السيد الطاهر بالخوجة أن اتحاد الطلبة مر بعديد المحطات يجب التعمق فيها جميعا.. وذكر أن الطلبة كانوا يقضون أياما وليال يتحدثون عن استقلالية الاتحاد وقد حرصوا كثيرا على حماية هذه الاستقلالية.. وبين أن الاتحاد لم يحصل على أية منحة من رئيس الدولة إلا بداية من سنة 1959 وكانت قيمتها عشرة آلاف دينار. ونفى حصول الاتحاد على منحة من وزارة التربية.. وذكر أن تركيبة اتحاد الطلبة كانت تركيبة خاصة تجمع كل الطلبة على اختلاف اتجاهاتهم.. ولعل ما كان يميزه هو أن هذا الاختلاف ينتهي إلى الوفاق وإصدار لوائح تقدمية.. وبين أن الاتحاد لما تحدث عن الاصلاح الزراعي عام 1957 أغضب بورقيبة فدعا الرئيس الهيئة الادارية للاتحاد ولامهم على اللائحة ونتيجة لذلك تم إقصاء الاتحاد من مكتب بورقيبة بباب سويقة.. فانتقل إلى اتحاد الفلاحة ولكن لم يدم ذلك طويلا فقد تعرض اتحاد الفلاحة إلى ضغوطات وأشيع أن اتحاد الطلبة أصبح يوسفيا.. وذكر أن بورقيبة لم يكن يسمح لأحد بالخروج عن طوعه لكن لم يفعل ذلك بالحديد والنار بل كان يحتوي الطلبة.. حتى أنه بعد طرد الاتحاد حرص على تدشين المقر الجديد وكأن شيئا لم يحدث وعند لقائه بالطلبة قال لهم "انتم أولادي" وذهب معهم وشاركهم اجتماعا في البلمريوم. وخلال اجاباته على استفسارات الحاضرين بين الزناد أن اتحاد الطلبة كان صورة مصغرة لما يجري في البلاد وفي المنظمات الوطنية وعن سؤال حول فترات تأزم الاتحاد بين أن الامر يستدعي الكثير من التدقيق. وإجابة عن سؤال حول الوضع الحالي للطلبة ذكر أن عدد الطلبة في الاتحاد كان 360 طالبا لكن الان نجد 360 ألف طالب.. فلا يمكن مقارنة الاتحاد في ذلك الوقت بالاتحاد في الوقت الحاضر. ولاحظ أن الاغلبية الساحقة للطلبة ليس لهم تكوين سياسي وقال "آسف لعدم وجود إطار يمكن قدماء اتحاد الطلبة من التقاء الطلبة الجدد لمساعدتهم على بعث حركة طلابية.. فالنشاط الطلابي الجامعي ضروري لتكوين إطارات سياسية في البلاد». وعن سؤال ألقاه السيد أحمد العجيمي أجاب أن اتحاد الطلبة هو منظمة وطنية تساهم في الحياة العامة للبلاد قبل أن يكون منظمة نقابية فقد كان يتم تشريك الاتحاد في إعداد المخططات التنموية في اللجنة العليا للتخطيط. وذكر أنه تم اتخاذ عدة إجراءات لتدعيم تواجد الطلبة الدستوريين في الحزب ومنها إحداث جامعة الطلبة الدستوريين.. وذكر أن الحضور النسائي في الاتحاد كان ضئيلا وعدد الطالبات التونسيات أيضا وهو ما جعل الكثير من خريجي الجامعات وقتها يتزوجون بأجنبيات.