اذا لم يحدث ما يمكن أن يمنع أو يؤجل ذلك فقد باتت عودة السفير السعودي إلى مصر خلا ل الساعات القليلة القادمة أمرا شبه مؤكد وهو ما من شأنه أن يضع حدا للازمة الديبلوماسية التي احتلت صدارة الاخبار وهيمنت على الاحداث وتحولت إلى معركة بل إلى حرب اعلامية علنية بين الرياضوالقاهرة. والواقع أنه اذا كان خبر انتقال وفد مصري موسع الذي جمع ممثلين عن كل الطوائف المصرية والاحزاب وممثلين عن الازهر والكنيسة وعدد من المفكرين والجامعيين والكتاب برئاسة رئيسي مجلس الشعب والشورى إلى المملكة قد أثلج صدور الكثيرين في مصر ولا سيما الجالية المصرية في السعودية التي تنتظر انفراج الازمة نهائيا، فإن الأمر لم يكن كذلك بالنسبة لعدد من النشطاء والسياسيين والاعلاميين الذين لم يخفوا استياؤهم ازاء حجم الوفد الذي قيل أنه جمع أكثر من مائة شخص تنقلوا خصيصا إلى الرياض في محاولة لتطويق الأزمة وتفادي الأسوأ، وقد اعتبر هؤلاء أن كرامة المصري بعد ثورة 25 يوليو أهم وأثمن من كل الاموال والمساعدات والتبرعات.. والارجح أن المستائين رأوا في الموقف السعودي الكثير من التعالي ازاء المواطن المصري البسيط لا سيما وأنه جاء بعد أسبوع على اعلان السعودية تقديم ملياري دولار لدعم الوضع المتأزم في مصر وهو ما اعتبره البعض بمثابة الانذار للسلطات المصرية بأن المملكة لن تسمح بتجاوز الخط الاحمر المسموح به... وبالعودة إلى جذور الازمة بين الجانبين فقد انطلقت مع اعلان السلطات السعودية القبض على محام مصري قصد السعودية لأداء العمرة بتهمة العثور على كمية من المخدرات في حقائبه الامر الذي أثار حفيظة فئة من أبناء الشعب المصري الذين اعتبروا أن للقضية خلفية سياسية مرتبطة بقضية سابقة في حق المحامي المذكور بدعوى التعرض لشخص الملك السعودي. وبعيدا عن الوقوع في أحداث القضية فان بقية أطوار القصة باتت معروفة خاصة منذ استهداف محتجين غاضبين مقر السفارة السعودية بالقاهرة ما أدى إلى انسحاب سفيرها وتتخذ بذلك القضية بعدا آخر وتتحول إلى محور للجدل في الفضائيات المصرية والسعودية كل يعرض وجهة نظره بشأن القضية وذلك قبل أن يأتي الاعلان رسميا عن عودة السفير السعودي إلى القاهرة انطلاقا من الغد. وسواء تعلق الامر بأزمة عابرة أو بسحابة صيف أو حتى بزوبعة في فنجان على حد تعبير الجانب الرسمي فإن الارجح أن تغليب صوت العقل ومنطق الحكمة هذه المرة لا يعني بأي حال من الأحوال منع عودة الازمة مجددا بأكثر تعقيد، ولقد أعادت الازمة الراهنة بين الرياضوالقاهرة إلى الأذهان ما حدث مع تونس رغم أن الامر لم يبلغ درجة اغلاق السفارة التي شهدت عديد الاحتجاجات أمام مقرها. فليس سرا أن العلاقات بين الرياض وبين دول الربيع العربي لم تكن في أفضل حالاتها منذ اندلاع ثورة 14 جانفي في تونس والتي كانت وراء سقوط نظام بن علي الذي لجأ إلى السعودية مع عائلته لينعم بالأمان ورغد العيش في أحد القصور الذي خصص لاستقباله. وفي كل ذلك كانت السعودية ولاتزال تتعلل في ردودها على مختلف المطالب بتسليم المخلوع لمساءلته ومحاسبته أمام القضاء أن أمورا انسانية بحتة وراء قرارها منح اللجوء لعائلة بن علي وربما يكون في هذا الموقف ما دفع حكومة السيد الجبالي تعتبر أن علاقاتها مع السعودية ومع غيرها من الدول التي استقبلت رموز النظام السابق أهم بالنسبة لها من مسألة المحاكمة والمحاسبة . وقد ظلت اصوات بعض النشطاء المصريين حتى الامس ترفض اعتذار حكومة الجنزوري للرياض دون اعادة الاعتبار لكرامة المصريين للخارج لا سيما مع وجود الآلاف منهم يعملون في دول الخليج ويخضعون لقانون نظام الوكيل الذي يعرض على كل عامل أن يكون له كفيل محلي يضع الموظف تحت رحمته ... لقد ظلت السعودية ومنذ الساعات الاولى لسقوط بن علي تنظر بعدم الرضا إلى ما يحدث في المنطقة وتتابع، ليس من دون انشغال، تطلع مختلف الشعوب المقموعة في العالمين العربي والاسلامي إلى استعادة حريتها المصادرة وحقها في الكرامة وسط مخاوف حقيقية من توجهات السلطة الجديدة في مصر بعد مبارك بعد خسارة أحد أقوى حلفائها العرب. ولعله آن الأوان للمملكة وحتى غيرها من الانظمة الخليجية أن تدرك حجم التغيير الحاصل في عقليات الشعوب المنتفضة على الظلم والفساد والاستبداد والتي لا يمكن أن تقبل امتهان كرامة أبنائها...