- كنّا نتمنى لو كانت محاولة وزير الفلاحة المستميتة لتطويق بؤر الفساد في وزارته ومعاقبة المفسدين والمتمعشين من المال العام، القاعدة وليست الاستثناء في عمل الفريق الوزاري في حكومة الترويكا.. فإماطة اللثام عن كل ذي شبهة يتستر بمركزه الإداري المرموق ليعيث في الأملاك العامة فسادا وينهب أموال المجموعة الوطنية ويشق لها طريقا إلى جيبه، واجب على كل وزير في هذه الحكومة التي تتمسّك بالشرعية الثورية ولا تجسّد في غالبيتها الذهنية الثورية للقطع مع ممارسات العهد البائد الانتهازية.. فهل من المقبول والمعقول ان تتمتع كاتبة المدير العام بوزارة الفلاحة بسيارة رباعية الدفع ويوضع سائق إداري على ذمتها، فضلا عن سفراتها المتكررة إلى الخارج بدعوى قيامها بمهمات عمل، في حين يكاد عدد المعطلين عن العمل يناهز عشر سكان البلاد التونسية.. وهذه الحالة ليست منعزلة بل تتكرّر في أكثر من إدارة ووزارة وأحيانا بمباركة مسؤولي الديوان الوزاري.. فما كشفه وزير الفلاحة هو غيض من فيض.. ففيروس الفساد الذي نخر المرفق العمومي وجعل بعض الإدارات غنيمة في يد شرذمة من مرتزقة العمل الإداري خانوا ضميرهم المهني ونهبوا ما تيسّر لهم من أموال الشعب، يستوجب مضادا حيويا قوي المفعول للتطهير والمحاسبة، الذي لا يبدو صعبا متى توفرت الإرادة الصادقة. فجديّة وزير الفلاحة لا يمكن أن تكون الشجرة التي تحجب الغابة.. فعدد لا يستهان به يحملون الحقائب الوزارية لكنهم غير متشبعين بالذهنية الثورية، حيث لم يفهم هؤلاء أن مهمتهم ليست تشريفا بل تكليفا وأن آمال الشعب واستحقاقات الثورة رهينة نجاحهم في أداء ما هو مناط بعهدتهم. فالرأي العام يرصد حركاتهم وسكناتهم، ويستفزّه أن لا يفلح بعضهم إلا في التصريحات النارية «للتنكيل» بخصوم السياسة، بحيث تبقى إنجازاتهم «فرقعات» إعلامية لا إجراءات واقعية. ولعلّ بعضهم احترف تبرير الفشل ودحضه وحشر أنفه في التعيينات أكثر من الانكباب على العمل ومعالجة الملفات الشائكة والحارقة المكدّسة على مكتبه الوثير.. في حين تحصّن البعض الآخر باللامبالاة تجاه حتى ما يحدث في أروقة وزارته ولم يجرؤ على وضع الإصبع على موضع الداء أو الحسم. ويبقى عدم إيلاء موضوع الجرحى ما يستحق من اهتمام وطني صفعة في وجهونا جميعا ووجه حكومة الترويكا خصوصا.. فبعض هؤلاء أقدم على إضراب جوع «قاتل» من أجل لفت انتباه التونسيين حكومة وشعبا والذين حصدوا ثمار ألمهم ومعاناتهم المتواصلة، في حين خيّر بعض وزرائنا الميامين ونواب شعبنا الموقرين الدخول في إضراب جوع تضامنا مع الأسرى الفلسطينيين بل إنهم استكثروا على جرحى الثورة زيارة لشدّ أزرهم في محنتهم.. فمن العيب أن نزايد على قضايا الأمة ونهمل قضايانا في»بروباغندا» دعائية، سياسية مقيتة. فأين وازعكم الوطني يا أولي الأمر منّا؟.. يا من ترتجف قلوبكم أسفا على أبناء فلسطين ولا تحرّكون ساكنا على أبنائنا المعطلين والجرحى والفقراء والمحرومين..؟ ومن المثير للسخرية أيضا أن يهان المعتمرون في عهد حزب يحكم بمرجعية دينية ويجلب الدعاة من كل فجّ وبرّ ويكرّمهم لينفثوا فينا سموم الفتنة، ولا يكرّم المحتاجين ولا يوفر سبل الراحة للمعتمرين.. فرفقا بهذا الشعب الذي عوّل عليكم لتضميد جراحه، وإذا ببعضكم يزيد الجرح عمقا والوجع فصلا آخر !