- قال الله تعالى فى الآية الحادية عشرة من سورة الحجرات: {وَلاَ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تنابزوا بِالألْقَابِ بِئْسَ الاسمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ}، صدق الله العظيم، هذه الآية الكريمة التي اخترتها لتكون أساس مقالي هذا وليس عنوانه فقط، تمنعنا بل وتنهانا عن التنابز بالألقاب التى كثرت فى هذه الأيام مثل: الطحالب، المتسلقين، والأزلام، ومن قبلها الجرذان والكلاب الضالة.. كل هذه الألقاب والنعوت التي واكبت عملية التحول الشعبي الثوري والتي مازالت مستمرة في بلادنا الحبيبة ليبيا، هي- بدون شك- بعيدة كل البعد عن أخلاقيات الإسلام وسماحته وتكريمه للإنسان ونهيه عن إلصاق أي صفة غير إنسانية به. ولنحاول- بنظرة تحليلية واقعية- أن نبسط الموضوع ونشرحه لنصل إلى الغاية التي استهدفنا تناولها، وأركز في تحليلي هذا على كل من عمل في ال42 عامًا الماضية، وأحب في البداية أن أؤكد على ما يلي: التعبير الخاطئ في الموضوع هو استخدام الشمولية والتعميم، رغم أن مثل هذه الحالات تتطلب عدم التعميم، فمثلاً؛ ليس بالضرورة أن كل من عمل في الإدارة الليبية التي تسمى باللجان الشعبية في ذلك الوقت- مهما بلغت وظيفته- أن يكون من أزلام القذافي، كما يتم الوصف الخاطئ لهم، وكان يفترض أن نستعمل من عمل مع القذافى، وهنا نقول إن كل هؤلاء لم يعملوا مع القذافي؛ لأني أعرف جيدًا أمناء- منهم الأحياء ومنهم من انتقل إلى رحمة الله- عملوا بإخلاص ووطنية ولم يقابلوا أبدًا القذافى إلا في الاجتماعات العامة، بل أعلم علم اليقين أن منهم من كان القذافى يكرهه؛ ولكنه حافظ عليهم في موقعهم لأسباب سياسية يهدف منها كسب قبيلته أو علمه أو علاقاته. وأيضا ليس كل من عمل في الأجهزة الإدارية التابعة لهذه اللجان أو الأجهزة الأمنية المختلفة يُقيَّم على أساس أنه من العاملين مع القذافي، وبالتالي فإني أقول: إن من يستحق أن يطلق عليه أنه عمل مع القذافى هم أمراء الثوار وقيادات اللجان الثورية في العاصمة وكل المناطق، وما يسمى بالرفاق، علاوة على بعض قيادات المؤتمرات الشعبية والقيادات الشعبية والحرس الثوري. هؤلاء هم من تربطهم علاقات وطيدة واستفادة مباشرة وغير مباشرة مع الأسرة القذافية المستبدة، وبالتالي فإنهم يشكلون بدون أدنى شك خطرًا نسبيًّا على الشعب الليبي واستقراره، ومنهم من يعمل على زعزعة الأمن للانتقام لسقوط النظام. إن كل هؤلاء أيضًا- ولنكن واقعيين- هناك البعض منهم عندما شاهد وحشية المواجهة للشعب الثائر اتخذ موقفًا من الانشقاق والانضمام للثورة إلى الصمت والسفر أو الاختباء والبقاء على الحياد. وأؤكد كلامي ورأيي السابق بأن هؤلاء ممن عملوا في القيادة مع هذا الرجل وأسرته وأعوانه يجب أن لا يُمكَّنوا من أي موقع قيادي أو حساس خلال الفترة الانتقالية، حتى تتم محاسبتهم وتثبت براءتهم. ولكن جزءًا كبيرًا من هؤلاء- ويقدرون بالآلاف- والذين كانوا جنودًا أو أفرادًا سواء في الكتائب أو الأجهزة الأمنية أو صغار اللجان الثورية أو الراهبات الثوريات أو الحارسات أو الحرس الثوري أو أعضاء في أجهزة أمنية مختلفة- خافوا من الانتقام، وهاجروا هم وعائلاتهم إلى الدول المجاورة مثل: مصر ، تونس، النيجر، مالي، والجزائر، فإن الكثير منهم من يعيش عيشة ضنكًا في الخارج، بل إني لا أبالغ إن قلت: إن منهم من يعيش مع أسرته في العشوائيات مع الفقراء المصريين الذين يعيشون في عشوائيات القاهرة الكبرى، وأولادهم لا يستطيعون دخول المدارس لعدم امتلاكهم المال اللازم، علاوة على الأوراق الثبوتية، وهو الحال بالنسبة للفارين الموجودين في تونس والنيجر والجزائر. وأنا هنا أتحدث عن البسطاء وليس القيادات، فأولئك لديهم من المال المسروق ما جعلهم يشترون في مصر مثلا فيلات وشققا خاصة بمدينة الرحاب وأصبحت هذه المدينة مرتعًا لهم. وكما أن «فتيات ثوريات القذافي»- إن صح هذا التعبير- منتشرات أيضا في هذه الدول وتتحدث الكثيرات منهن عن ظروفهن الصعبة وانحراف البعض منهن. إن الموضوع يا سادة هزني كثيرًا، هؤلاء ليبيون، أطفالهم أطفالنا، ونساؤهم نساؤنا، ولا نريد أن ينشأ في ليبيا الحرة طفل حاقد على بلاده وثورتها العظيمة، نريد أن نعمل بصدق لفتح باب تواصل بيننا وبين هؤلاء، خاصة من لم يقتل أو يغتصب أو يسرق وهم كثر، وحتى هؤلاء ما ذنب أسرهم وأطفالهم فلنشعرهم بالطمأنينة وندعوهم إلى العودة وننظم تواصلنا الآن معهم، وننظمهم كجاليات مهاجرة ليبية، بغض النظر عن الموقف السياسي الذي نتعامل بناءً عليه، وذلك من خلال العمل على دراسة حالاتهم وضمان معاملتهم بشرف وعدالة بعيدة عن روح الانتقام. هذا الدور جد مهم، وأرى أن يتم برعاية الدولة؛ وليكن تنفيذه من خلال مجموعة من الحكماء القادرين على إقناع الناس والمعروفين بقبول عندهم، وكذلك من خلال تنظيمات المجتمع المدني؛ لأن هذا الأمر في غاية الأهمية، خاصة أننا نعلم أن أبناء القذافي وأعوانه وأقاربه الذين يملكون المال به يستطيعون السيطرة على هؤلاء وتمكينهم من الحياة في الخارج وتجهيزهم لأعمال انتقامية في الداخل. هذه دعوة صادقة مني لنبدأ في تجميع البيانات وأملي كبير في الخيِّرين من الليبيين والليبيات ومجلسنا الوطني الانتقالي ورئاسة الحكومة ليأخذوا الأمر مأخذ الجد، حتى نعيد أبناءنا إلى أحضان وطنهم، وحمايتهم من التشرد والانحراف والتطرف. سياسي ليبي