من المنتظر أن تسلّم الحكومة التونسية رئيس الوزراء الليبي السابق البغدادي المحمودي إلى السلطات الليبيّة، وصدر هذا القرار قبل يومين من زيارة الوفد الليبي إلى تونس والذي أفضى إلى إمضاء جملة من الاتفاقيات المتعلّقة بمختلف المجالات، مما يدفعنا إلى اعتبار هذا القرار سياسيا بحتا. وتحتفظ تونس بالبغدادي المحمودي في السجن منذ اعتقاله يوم 21 سبتمبر الماضي جنوب البلاد عندما كان يحاول التسللّ إلى الجزائر، وقد طالب المجلس الانتقالي الليبي آنذاك الحكومة التونسية بتسليم البغدادي بهدف القصاص منه خاصّة أنّه كان الذراع اليمنى لمعمر القذافي. وبإجراء انتخابات 23 أكتوبر، أطلّ علينا رئيس الجمهورية المؤقت منصف المرزوقي ليدعم موقف السبسي ويرفض تسليم البغدادي نظرا إلى عدم توفّر ضمانات كافية لمحاكمته مؤكّدا على تاريخه النضالي والحقوقي ومذكّرا بكونه من مؤسّسي الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان. وبعد إصدار حكمين قضائيّين يقضيان بتسليم البغدادي إلى السلطات الليبيّة، نددّ الحقوقيّون والمنظمات الدولية بهذا القرار مطالبين الحكومة التونسية بعدم تسليمه، وقد استجابت الحكومة فعلا لذلك القرار ليكون القرار السياسي فوق الحكم القضائي. لكن يبدو جليّا أنّ تسليم البغدادي بات اليوم أمرا محسوما فيه، فتونس تعوّل على السوق الليبيّة للحدّ من البطالة بالإضافة إلى تعزيزها التعاون مع الحكومة الليبيّة من خلال إمضاء جملة من الاتفاقيات متعلّقة بقطاعات الصحة والصناعة والتعليم والطاقة. فأمام وصول عدد العاطلين عن العمل إلى أكثر من 800ألف، تجد الحكومة التونسية نفسها مجبرة على التنازل على الجانب الحقوقي ووضع المصلحة الوطنية فوق مصلحة البغدادي. وأمام تداول بعض الحقوقيّين خبر تقدمّ السلطات الليبيّة لنظيرتها التونسية بالتزام كتابي بحسن معاملة رئيس الوزراء السابق وتوفير ضمانات المحاكمة العادلة له, نتساءل إن كان ذلك يعتبر ضمانا كافيا لمحاكمة البغدادي المحمودي محاكمة عادلة؟ وهل يعتبر من باب الصدفة أن يتزامن تسليم البغدادي مع الاتفاقيات الاقتصادية بين الحكومتين؟ وإن وقع التعرضّ إلى البغدادي واتباع عدالة انتقامية معه ، كيف سيكون موقف الحكومة التونسية؟