فاز الفيلم الوثائقي «صالح بن يوسف ...جريمة دولة؟» للمخرج التونسي جمال الدلالي بالجائزة الذهبية في مسابقة شركات ومؤسسات الإنتاج في فئة البرامج والأعمال التسجيلية في إطار مهرجان الإذاعة والتلفزيون بالمنامة في دورته الأخيرة التي انتظمت من 14 إلى 18 من الشهر الجاري. ولم يخف مخرج الفيلم المقيم بلندن فيض مشاعر الفرحة والاعتزاز بهذا التتويج لأنه اعتبره شهادة حية على أهمية هذا الفيلم الوثائقي التأريخي الذي كلفه مجهودات كبيرة تطلبها حرصه حسب قوله على إيجاد أجوبة قريبة من الحقيقة والواقع حول الظروف الغامضة التي اغتيل فيها المناضل التونسي وأحد رموز الحركة الوطنية صالح بن يوسف في 12 أوت بألمانيا 1961. وقد تتطلب منه الأمر الجري وراء المعلومة والتدقيق في مدى صحتها وبحث تداعياتها من الأحداث والخلفيات السياسية والاجتماعية. علما أن هذا الفيلم الوثائقي هو من إنتاج قناة الجزيرة الوثائقية التي تكفلت بإنتاج عدد من الأفلام الوثائقية الأخرى لنفس المخرج على غرار «فرحات حشاد» و»المنصف باي». التقينا بالمخرج التونسي فكان الحديث التالي: رغم أنه سبق أن أخرجت أفلاما وثائقية حول شخصيات تاريخية لكن التتويج كان من خلال الفيلم الأخير حول صالح بن يوسف فكيف تقيم الحدث؟ - أعترف أن الشعور بالنجاح بالنسبة لي هو عبارة عن لحظات لا يمكن أن تغادر الذاكرة وحصولي على الجائزة الذهبية في مهرجان الإذاعة والتلفزيون بالمنامة عن فيلم «صالح بن وسف.. جريمة دولة؟» يعد تتويجا لمجهود جماعي. لذلك أعتبره حافزا كبيرا لي لمواصلة العمل وفق نفس النسق والحب. كما أني أعتبره دافعا لي لمزيد من الجهد باعتبار أن التحدي الآن أصبح التميز والإضافة وعدم الركون إلى ما أنجز وإنما مراكمة النجاحات والبناء عليها حتى أكون في مستوى انتظارات الجميع وتقديم أعمالا تكون في مستوى الأسماء التي أعطت الكثير لتونس لكن شاءت بعض الجهات والأطراف أن تغيب دورها. بم تفسر تخصصك في الوثائقيات التي تتناول زعماء سياسيين تونسيين كانوا موضع جدل في تاريخ تونس المعاصر ؟ - قدمت أفلاما عديدة ومتنوعة من حيث المضامين لكن من الواضح أن أفلامي التي تناولت شخصيات وطنية تونسية لاقت اهتماما أكثر مقارنة ببقية أفلامي التي أخرجتها خاصة تلك التي تناولت قضايا اجتماعية بالأساس ذات صلة بالمهاجرين في أوروبا خاصة من قبيل «العنصرية» و»الزواج المختلط» وغيرها من المسائل المطروحة في أوساط المهاجرين التونسيين والعرب في البلدان الأوروبية. لكني أفسر هذا الاهتمام بهذه النوعية باعتبار أنه ربما يعود إلى طبيعة اهتمام المشاهد ودور الإعلام التونسي في توجيه الاهتمام بالشأن المحلي أكثر من القضايا الأعم. لكن هذا لا ينفي مثلا فوزي بجوائز في مهرجان الجزيرة الوثائقي ومهرجان بغداد الدولي عن فيلمي «الحب والموت» الذي يخوض في قضية مازالت تثير الجدل إلى الآن وهي «الموت الرحيم». أما بخصوص الجزيرة الوثائقية فأنا سعيد جداً بالعمل معها ولكنني منفتح على التعاون مع أي جهة توفر الحد الأدنى من ظروف العمل المهني. لذا استغل هذه المناسبة لأتوجه إلى المنتجين التونسيين أفرادا ومؤسسات للتعاون المشترك لأني مستعد للتعامل مع أي جهة تونسية. عرفت الساحة السينمائية في تونس حركية غير مسبوقة في سوق الإنتاج لا سيما بعد ثورة 14 جانفي فهل لك أن تقيم المنجز الحاصل في شكله العام؟ - رغم أني أتابع ما يجري في الساحة الثقافية الوطنية إلا أني قد لا أكون ملما بكل تفاصيل المشهد الإنتاجي في تونس بحكم أنني مستقر في لندن وأتردد على تونس في فترات متقطعة ولكن المؤكد أن مناخ الحرية يمثل حاضنا لحركة الإبداع الفني عموما وهذا الكم من الإنتاج سيولد من رحمه الكيف الذي يعكس صورة المجتمع بدون تزييف. البلد الذي صنع ثورة على نظام قادر أن يصنع ثورة في المفاهيم والأذواق والقيم والفن الحقيقي لن يكون إلا منخرطا وعاكسا لهذه الثورات الناعمة التي ستشكل طبيعة التونسي مستقبلا. هل يمكن أن نرى أنماطا أخرى من الأفلام الطويلة والروائية بإمضاء المخرج جمال الدالي؟ - أنا لا أتبنى نمطا معينا في أعمالي السينمائية وإن كنت قد ركزت على شكل دون آخر. ولكنني في نفس الوقت أتطلع إلى عمل روائي مميز أستطيع من خلاله أن أجسد تزاوجا سلسا بين الوثيقة والقصة أي بين الحقيقة والخيال. فهناك بعض الأفكار الجنينيّة التي تتطلب بعض الوقت لإنضاجها وأنا الآن بصدد مناقشتها مع بعض الزملاء والمهتمين.