اتفقت أمس أغلب الدول المتدخلة خلال الدورة الثالثة عشرة لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة بجنيف على جدية وتوازن تقرير الحكومة التونسية الثاني الخاص بآلية الاستعراض الدوري الشامل لحقوق الإنسان حتى أن بعضها وصفه بالممتاز مقارنة بتقريرها الأول في 2008 وبالتوصيات التي ألحقت به، والذي على أساسه تم سحب التحفظات الخاصة بالتمييز بين المرأة والرجل الخاصة باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. وقد تناول سمير ديلو وزير حقوق الانسان والعدالة الانتقالية وممثل الحكومة التونسية خلال عرضه لتقرير الحكومة اغلب ما ورد في التوصيات التي قدمتها منظمات وجمعيات المجتمع المدني التونسية منذ مارس الفارط والتي دعت الى اعادة تأهيل الجهاز الأمني وادانة التعذيب وغير ذلك من ضروب اساءة المعاملة وعدم سقوط جريمة التعذيب بمرور الزمن واصلاح النظام القضائي ووضع حد للافلات من العقاب وضمان حقوق الطفل والمرأة ومكافحة التمييز على أساس العرق أو اللون أو الدين أو الاعاقة أو الهوية الاجتماعية أو الرأي السياسي، مع السعي الى احترام الحق في حرية التعبير والتجمع والتظاهر وتكوين الجمعيات والانضمام اليها. وبين ديلو أن الحكومة قد وضعت قانونا جديدا للممارسة الجمعياتية تم على اساسه اعفاء وزارة الداخلية من مهمة قبول ملفات المنظمات والجمعيات واسنادها لكاتب عام الحكومة. استثناء واستثنى وزير حقوق الانسان والعدالة الانتقالية النقطة التي وردت في تقرير المجتمع المدني حول الغاء عقوبة الاعدام والمصادقة على البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والجزء الخاص بمكافحة التمييز على أساس الميول الجنسية المثليون بعدم معاقبتهم أو التمييز ضدهم وأيضا مسألة المساواة في الإرث بين الجنسين. فضلا عن إعطاء الأولية للتحقيق الكامل للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وذلك بالمصادقة على البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والتنصيص عليها صلب الدستور القادم والذي من شأنه ان يكون آلية ضمان لتنمية جهوية عادلة وتدعيم جميع المناطق والجهات وخاصة منها النائية والحدودية بالبنية التحتية الأساسية المتمثلة في الطريق والماء الصالح للشراب والنور الكهربائي والمسكن وتقريب الخدمات الضرورية كالصحة والتعليم. توصيات أوصت الدول التي شاركت في مداولات مناقشة التقرير التونسي بمجلس حقوق الانسان بالأمم المتحدة اساسا بالغاء عقوبة الاعدام أو الالتزام باعلان وقف تنفيذها الى حين الغائها وهي: فرنسا وألمانيا واليونان والمجر والأورغواي وتركيا والبرتغال، وبتضمين الدستور تنصيصا واضحا على حقوق المرأة والحقوق الفردية والعامة والسعي الى مزيد الاهتمام بحقوق الطفل وخاصة منهم الاحداث وتحسين الوضع داخل السجون. فألمانيا مثلا تساءلت عن مدى استعداد تونس بالسماح لمنظمات المجتمع المدني بزيارة السجون؟ ، فيما دعت بريطانيا الى تكوين هيئة مستقلة لمراقبة السجون ومتابعة قضايا التعذيب، الى جانب مناهضة كل اشكال التعذيب والمتابعة الجدية لجميع من ثبت تورطهم في قضايا من هذا النوع مع العمل على ضمان الحق في الرأي والتعبير والصحافة والتنظيم والتظاهر والتجمهر. إنتقاد المضايقات لحرية الإعلام واعتبرت سويسرا أن حرية التعبير تتعرض الى مضايقات وأن عدم تفعيل الفصل 115 و116 مسألة غير مبررة وتبنت تركيا مقترح بعث هيئة مستقلة للاعلام والاتصال وسجلت الولاياتالمتحدةالأمريكية عدم ارتياحها ازاء التضييقات على حرية الرأي والتعبير من منطلقات دينية وغيرها كما دعت الى حماية المتظاهرين ووضع خطة واضحة من أجل العدالة الانتقالية. وكانت المانيا أكثر دقة فرأت أن محاكمة قناة نسمة تبرر في المقام الاول المخاوف المتعلقة بحرية التعبير واتفقت اسبانبا مع أغلب المتدخلين على ضرورة التسريع في اصلاح المنظومة القضائية طبقا للمنظومة الدولية وكانت تركيا الوحيدة التي تناولت مسألة الانتخابات وأوصت باعتماد قانون انتخابي متعدد الأطراف. ولم تتغافل كل من اليمن والأرجنتين على ضرورة التنصيص على توفير جميع الحقوق المادية والمعنوية لأصحاب الاعاقات والاحتياجات الخصوصية. ديلو يرد في مداخلة ثانية وثالثة حاول وزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية تقديم إجابات مقنعة وشاملة على الأسئلة والتوصيات التي تم طرحها خلال مناقشة التقرير، فقد بين أن سوء المعاملة والتعذيب كانا من اهم النقاط التي شوهت صورة تونس مع النظام السابق والحكومة الحالية قامت باتخاذ إجراءات عديدة لمراقبة ظروف الاحتجاز واعتبر أن إصلاح المنظومة الامنية يتطلب الى جانب الترسانة القانونية تغييرا للذهنية السائدة وذلك يتطلب تكوينا وتدريبا. وأوضح أن الحكومة تعمل على رفع الغطاء عن كل من يرتكب التعذيب وأن المجلس التأسيسي بصدد النظر في مشروع هيئة عليا مستقلة للقضاء من أجل ضمان فضاء مستقل علما أنه وقع تشديد العقوبات المتعلقة بالجرائم في حق الطفل والترفيع فيها من10 الى 16 سنة وأن الحكومة تتجه للإمضاء على البروتوكولات الخاصة بالطفل الى جانب اعدادها لمشروع قانون منع وزجر المتاجرة بالأشخاص ومكافحة كل أشكال استغلال البشر وخاصة منهم النساء والأطفال. وفي ما يخص الغاء عقوبة الاعدام والمثليين والمساواة بين الرجل والمرأة في الارث قال ديلو أن الحكومة ليست مستعدة لاتخاذ قرارات بصفة فردية ولن تتجاوز مستوى الوعي الوطني من أجل الغاء عقوبة الاعدام، وكشف ان الحكومة ستقوم بفتح حوار وطني حر وذي مصداقية حول هذه القضايا. وعن العدالة الانتقالية بين أن الحكومة تعتمد مسارا تشاركيا وسيتم عرض القانون الخاص بالعدالة الانتقالية والمصادقة عليه من قبل المجلس التأسيسي خلال الثلاثة أشهر القادمة. أما فيما يخص تحسن الاوضاع في السجون فأوضح وزير حقوق الانسان والعدالة الانتقالية أن هناك ارادة سياسية من أجل تحسين ظروف اقامة المساجين وتسعى الحكومة اليوم الى التخفيف من الضغط المسجل داخلها ببناء سجون جديدة. وفي اطار تقديم أكثر تطمينات للمجتمع الدولي اشار ديلو الى أن الوضع العام في تونس يتجه نحو التحسن فهناك عودة نسبية للأمن وبوادر وفاق بين غالبية الأحزاب السياسية..وأن قضية نسمة قد تم تقديمها من قبل مجموعة من المحامين ونظر فيها قضاء مستقل ولا يمكن للحكومة التدخل في حق المواطن في الالتجاء للقضاء حتى في ظل انزعاجها من الدعوى مؤكدا «لقد انزعجنا من هذه القضية».