"كارثة انسانية على ابوابنا" "انقذوا اللاجئين في دارفور" "التحالف الاسرائيلي يتحرك من اجل لاجئي دارفور" "اسرائيل تستقبل 500 لاجئ من دارفور وترحل مات اللاجئين الافارقة" "ازمة ضمير بسبب اللاجئين في اسرائيل"..... كانت هذه عينة اذن من عناوين كثيرة على اعمدة اكبر الصحف الاسرائيلية واحيانا الامريكية خلال الفترة المنقضية وهي كفيلة باثارة الكثير من نقاط الاستفهام حول احدى المسائل التي لا تخلو من تعقيدات وحساسيات كثيرة في نشوئها وتطورها بل وحتى في ابعادها واهدافها في بلد كان ولايزال يتمسك برفضه المطلق السماح للسكان الاصليين من ابناء الشعب الفلسطيني في الشتات من حق العودة الى موطنهم الاصلي الذي اقرته الشرعية الدولية وهي مسالة قد تبدو في ظاهرها انسانية بحته ولكنها في اعماقها ليست بمعزل عن احداث وتطورات خطيرة مرتبطة بما يمكن ان تؤول اليه الازمة الراهنة في دارفور وهي مسالة لا تخلو من احراجات كثيرة ايضا بالنسبة للسلطات الرسمية في السودان التي تظل عاجزة عن وقف ظاهرة تدفق اللاجئين السودانيين الى اسرائيل مع استمرار ازمة دارفور وتداعياتها الانسانية الكارثية على المدنيين في غياب الحلول السياسية واستمرار الخلافات بين الفرقاء وتفاقم الاوضاع الانسانية وانتشار الجريمة والفقر والاوبئة والفساد وغيرذلك من القضايا التي ساهمت في دفع تدخلات اكثر من طرف خارجي... رحلة العبور الى اسرائيل لم تكن يوما هينة او خالية من العراقيل حسب شهادات اصحابها الحالمين بالدورادو الجديد الذي قد يفتح لهم طريق العبور الى كندا واستراليا وحتى امريكا ولم تكن ايضا لتنتهي بالعثور على الجنة المفقودة داخل حدود الخارطة العربية المثقلة بالجروح والمشاكل الاقتصادية والسياسية والضغوطات الاجتماعية وغيرها فقد كان خطر التعرض لاطلاق النار على الحدود ام واردا في الاذهان كما ان مواجهة الترحيل الى مصر ومنها الى السودان وما يمكن ان يسببه من نتائج وخيمة حاضرة لدى هؤلاء ايضا ولكن يبقى الاحتمال بانتهاء الرحلة في احد السجون الاسرائيلية المعزولة التي لا تصل اخبارهاإلى احد او في احد الكيبوتزات العنصرية حقيقة قائمة ضمن الكثير من الحقائق الاخرى المؤلمة. زوجة اولمرت ولاجئي دارفور قد تختلف ارقام التقارير الاسرائيلية حول عدد الاجئين السودانيين القادمين من دارفور ولكنها تتفق على امر مهم على الاقل في مواقع الدعاية والاعلام الاسرائيلية وهي ان هؤلاء بدأوا يسعون الى تنظيم صفوفهم تحت شعار واحد لا يخلو من رموز كثيرة وهو شعار كان رفعه احد اللاجئين السودانيين الشبان في تجمع للاجئين فكان له وقعه لدى مختلف الاطراف المعنية المهتمة بمصير اللاجئين السودانيين في اسرائيل ونص هذا الشعار "نسال الشعب اليهودي ان يحتضننا نحن الناجون من جرائم الابادة في دارفور نعيش الان على ارض صهيون". شعار حمل في طياته ما يكفي لدغدغة مشاعر السياسيين الاسرائيليين بما دفع ثلاثة وستون من اعضاء الكنيست الاسرائيلي الى توقيع عريضة تعارض ترحيل هؤلاء اللاجئين بل ولدفع زوجة رئيس الوزراء الاسرائيلي اليزا اولمرت الى نشر مقال في صحيفة يديعوت احرانوت للتعاطف مع هؤلاء اللاجئين والانضمام الى صفوف المدافعين عن "حقوقهم" ولم تتوقف جهود زوجة اولمرت عند هذا الحد حيث انها تدخلت بصفة شخصية لدى السلطات المصرية لاستقدام طفلة كان والداها نجحا في العبور الى اسرائيل فيما بقيت هي في مصر وهو ما تم فعلا حيث انتقلت الطفلة للعيش مع والديها في اسرائيل وتشير مصادر صحفية اسرائيلية الى ان عدد اللاجئين الافارقة المتدفقين على اسرائيل عبر الحدود المصرية يعد بين خمسين والستين في اليوم الواحد وان السلطات الاسرائيلية استقبلت في الاشهر القليلة الماضية نحو الفي لاجئ من سكان دارفور بينهم خمسمائة طفل وذلك بالتنسيق مع الاممالمتحدة بالرغم من ان القانون الاسرائيلي يعتبر ان اللاجئين السودانيين ينتمون لبلد معاد لاسرائيل، وفي اوت الماضي كان رئيس الوزراء الاسرائيلي اليهود اولمرت اعلن موافقته منح خمسمائة لاجئ من دارفور حق اللجوء في اسرائيل من بين 2800 لاجئ افريقي بما يؤكد ان ملف لاجئي دارفور الى اسرائيل امر لا مجال لانكاره او تجاهله. ورقة دعائية غير مجانية واذا كانت اسرائيل اخر طرف يمكن ان يهتم بضمان حقوق الانسان في منطقة مثل دارفور فان الاكيد ان لاسرائيل اكثر من هدف واكثر من مصلحة وراء تخصيص نصيب من جهودها المالية والدعائية لتسليط الاضواء على لاجئي دارفور وتشجيع المتطوعين داخل اسرائيل على الاهتمام بقضاياهم وتخصيص فضاءات لتعليمهم وتدريسهم اللغة العبرية والاعلامية ومساعدتهم على العثور على مورد رزق في اسرائيل كل ذلك الى جانب الحرص على توعية الراي العام الاسرائيلي بحجم معاناة لاجئي دارفور وعمق ماساتهم وما يمكن ان تواجههم من مخاطر في حال تم ترحيلهم واعادته الى السودان واستخدام مثل هذه الورقة الدعائية في المحافل الدولية والاقليمية ونشر شهادات اللاجئين كمحاولة لادانة السلطات الرسمية في السودان بممارسة اسوا انواع الاهمال والتهميش والعنصرية في حقهم وهي خطوات لا يمكن باي حال من الاحوال ان تكون امرا مجانيا او من دون حسابات انية او مستقبلية فقد كان ولايزال صوت المسؤولين الاسرائيليين المطالبين بتدخل امريكي واممي في ازمة دارفور من اقوى الاصوات على الاطلاق واكثرها تمسكا بهذا الموقف وذلك رغم الرفض الاسرائيلي المستمر لاي دور اممي في فض قضية السلام في الشرق الاوسط وتفعيل قرارات الشرعية الدولية... و لاشك ان في هذا الملف الجديد او هذا ما يبدو على الاقل في الازمة الانسانية في دارفور ما يؤكد حاجة السودان الى مواجهة الملفات الانسانية العالقة في هذا الاقليم لا سيما امام مختلف التقارير المثيرة حول ما ال اليه الوضع من انتشار للفقر وللاوبئة والامراض وتردي الاوضاع المعيشية وارتفاع عدد ضحايا الاغتصاب والقتل وتفادي كل الاسباب التي يمكن ان تؤدي الى مزيد تعقيد الاوضاع وخروجها عن السيطرة وتجاوزها لكل التوقعات والاحتمالات بما يمكن ان يمهد للاخطر والاسوا في ازمة دارفور.... هجرة الشباب العربي عموما او السوداني خصوصا الى الغرب بحثا عن فرص افضل للحياة ليست بالامر الغريب او الاستثنائي في ظل ما فرضته العولمة من فروقات جديدة وتباين بين الاغنياء والفقراء وفي ظل تفاقم ظاهرة البطالة والصعوبات الاقتصادية في دول العالم الثالث وقد كانت الهجرة ولا تزال احد الحلول التي يلجا اليها الشباب في رحلة البحث عن تحقيق احلامه وطموحاته التي فشل في تحقيقها في بلده الاصلي ولكن عندما يتعلق الامر بهجرة عقول عربية وكفاءات معينة الى اسرائيل دون غيرها فان الامر يخرج عن الاطار العادي فاسرائيل دولة قامت على اسس عقائدية لليهود دون غيرهم وهو الشرط الذي تعتمده لاستقدام المهاجرين الجدد من روسيا وامريكا وغيرها بما يفرض اكثر من سؤال حول الاهداف الحقيقية من هذا التوجه الاسرائيلي الذي بدا يخرج للعلن وقد كان من الامور التي تحرص اسرائيل على بقائها قيد السرية والكتمان في السابق... ربما يجد بعض هؤلاء فرصة افضل في الحياة داخل اسرائيل ولكن ذلك لا يمكن ان يكون من دون ثمن قد يكون من الصعب على عقل اللاهثين في رحلة الحياة والحالمين بالهرب من البؤس والقطع مع حياة الخصاصة والاضطهاد في موطنهم اكتشافه لاحقا...