بعد سنوات من التهميش والفقر وانسداد الافق انتظر التونسي غيثا تحمله ثورة ليسقي ارضه التي قضى عليها الجفاف، لكن استفاق على بقاء دار لقمان على حالها بل ان حالته قد ازدادت سوء وتدهورت قدرته الشرائية وارتفعت نسب البطالة وعلى ضوء هذا الوضع لم يجد امامه غير الاعتصامات والاحتجاجات للمطالبة بحقوقه المسلوبة والتي تتمحور كلها في اطار العدالة الاجتماعية بكل أبعادها. إرتفعت نسب الفقر وكانت أعلاها في المناطق الداخلية وازدادت البطالة بشكل ملحوظ ،فتقلصت الطبقة الوسطى التي باتت تحتضر بمرور الوقت لحساب أثرياء استأثروا بكل ثروات البلاد حتى بعد الثورة لا يمثلون إلا جزءا بسيطا من الشعب التونسي وكما أكد خبراء اقتصاديون لا تتجاوز .%10 في المقابل شددت حكومات ما بعد الثورة في أكثر من مرة على انها سائرة نحو العمل على صون كرامة التونسي مستغلة كل الظروف ومؤكدة على انها ورثت تركة يشيب من هولها الرضيع. وبين مطالب المحرومين بحقوقهم ومواقف الحكومات وإصرارها على العمل من اجلها ، بقيت العدالة الاجتماعية تتارجح بين المنشود والمفقود. ومن خلال هذا الملف تناولت»الاسبوعي» مفهوم العدالة الاجتماعية ووضعها الحالي في بلادنا بالارقام وأسباب غيابها والحلول لتحقيقها، وقد استعانت بمواقف سياسيين ونقابيين وخبراء في الاقتصاد والجباية وعلم الاجتماع والقانون. ملف من إعداد: جمال الفرشيشي مفهوم متعدّد الأبعاد مفاهيم عديدة طفت على السطح أصبحت متداولة بشكل يومي على ألسنة السياسيين وباقي ممثلي مكونات المجتمع المدني، ومن بينها «العدالة الاجتماعية» والتي تبقى مفهوما في حاجة إلى التوضيح والتحديد. فهذا المفهوم متعدد الابعاد إذ لا يمكن اختزاله في بعد واحد فقط كان اقتصاديا او سياسيا او اجتماعيا، بل إن البحث عنه يستوجب مقاربة شمولية لحياتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. فالعدالة الاجتماعية هي في حدّ ذاتها تنمية للاقتصاد وتشجيع للطاقات وإتاحة للفرص وخلق للإمكانيات وتأهيل للقدرات البشرية، والبحث عن السعادة وتوسيع مجال الحريات العامة وتثبيت للديمقراطية وغير ذلك من الميادين. كما أنها ليست برنامجا أو سياسات أو شعارات إنما هي إرادة وثقافة لا يمكن اختزالها في تدبير معين دونما نظرة شمولية، فالمساواة في الحقوق والواجبات لن تؤسس لعدالة اجتماعية إن لم تكن هناك ثقافة للحقوق وثقافة للواجبات. وهي كذلك مبدأ أساسي من مبادئ التعايش السلمي داخل الأمم وفيما بينها حيث يتحقق في ظله الازدهار. ومن ثمّ فعندما نعمل على تحقيق المساواة بين الجنسين أو تعزيز حقوق الشعوب الأصلية والمهاجرين يكون ذلك إعلاءً منا لمبادئ العدالة الاجتماعية. وعندما نزيل الحواجز التي تواجهها الشعوب بسبب نوع الجنس أو السن أو العرق أو الانتماء الإثني أو الديني أو الثقافي أو بسبب العجز نكون قد قطعنا شوطا بعيدا في النهوض بالعدالة الاجتماعية. عموما فالعدالة الاجتماعية هي كذلك نظام اقتصادي يهدف إلى إزالة الفوارق الاقتصادية الكبيرة بين طبقات المجتمع. تسمى أحيانا العدالة المدنية، وتصف فكرة المجتمع الذي تسود في العدالة في كافة مناحيه، بدلا من انحصارها في عدالة القانون فقط. بشكل عام، تفهم العدالة الاجتماعية على أنها توفير معاملة عادلة وحصة تشاركية من خيرات المجتمع. العدالة الاجتماعية تشكل مادّة خصبة للنقاش في السياسة، والدين، ومحددات المجتمع المتحضر. اِختلاف النظريات والتيارات يمتلك كل تيار فكري وإيديولوجي نظرته وطرحه للعدالة الاجتماعية. فعلى سبيل المثال ترى المقاربة الليبيرالية الحديثة أن تعتبر الحرية الفردية فوق أيّ اعتبار، تعتمد على السببية وتنتمي إلى النظرية الاقتصادية الحديثة، انفتاح الأسواق والمبادرة الفردية ونهاية الدولة، احترام الملكية الخاصة، حرية الاستثمار، خفض الضرائب، التجارة الحرة، ورفض تدخل الدولة، كلها مبادئ هذه المقاربة المتطرفة، إنها الليبرالية الجديدة التي تعتبر العدالة مرادفا للتنمية الاقتصادية وخلق الثروة. أما المقاربة الشيوعية فهي تعتمد هذه المقاربة على مبدإ المساواة في تقسيم الثروة، العدالة هنا هي توزيع للثروة بالتساوي، يجب أن يحصل الجميع على نفس القدر من الثروة، إنها مسماة ب»الشيوعية» حيث أن للجميع نفس القدر والنصيب، إنها مساواة مطلقة. فيما ترى المقاربة الإسلامية أن العدالة الاجتماعية هي إعطاء كل فرد ما يستحقه، وتوزيع المنافع المادية في المجتمع، وتوفير متساو للاحتياجات الأساسية. كما أنها تعني المساواة في الفرص؛ أي أن كل فرد لديه الفرصة في الارتقاء الاجتماعي. وهي تعدّ من أهم مكونات وأساسيات العدل في الإسلام. وللإشارة فقد تمّ إقرار إعلان الاحتفال سنويا بيوم 20 فيفري بوصفه اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية، اعتبارا من الدورة الثالثة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة.