جلسة الحوار حول قطاع الفلاحة التي انتظمت أمس بالمجلس الوطني التأسيسي انطلقت متأخرة عن موعدها المحدد بأكثر من ساعة ونصف وذلك بسبب الوقفة الاحتجاجية التي نظمها أعوان المجلس.. قبلها بأيام أيضا كاد المسكين رئيس الجمهورية أن يبيت ذات ليلة على الطوى وبلا عشاء بسبب اضراب موظفي وعملة القصر... هذا فضلا عن ظاهرة «حك رأسك» ونفذ اضرابا أو اعتصاما التي أصبحت دارجة في تونس ما بعد الثورة مثل «صب لي نشرب»!! والواقع أنه لم تبق فئة أو قطاع أو مجموعة أو جهة لم تأخذ «بايها» ولم تتطاول على هيبة الدولة.. من المحامين الى القضاة الى الأطباء الى الموظفين الى رجال التعليم الى الصحفيين.. مرورا بالنقابيين و«الباندية» و«الخلايق».. ووصولا الى السلفيين وأحزاب المعارضة وناشطي منظمات المجتمع المدني... الحاصل.. لم يعد بإمكان «حكومة الغلبة» أن تتخذ أيا من القرارات وهي مطمئنة أو متأكدة من أن قرارها سيأخذ طريقه الى التنفيذ.. فإن جاءت مثلا لتعين مديرا على رأس احدى المؤسسات والمصالح الحكومية قامت لها أطراف «قطاعية» تنكر عليها ذلك.. وإن جاءت لتعيّن واليا أو معتمدا أو سفيرا أو حتى «غفيرا» تحرك لها المسيسون والحزبيون رافعين شعار «لا للتعيينات السياسية»!! وإن جاءت لتقترح حلولا أو برامج اصلاحية أو مشاريع تنموية كذبها وسفهها كل من هب ودبّ.. فالكل «يُفتي» والكل ينظّر والكل «يبهبر» من «الشيفورية».. مرورا ب«الطيّابة» في الحمام و«الهباطة» في سوق الجملة.. ووصولا الى أحزاب المعارضة... حقيقة.. هزُلت!!! الى درجة أن عموم التونسيين أصبحوا حائرين أمام ظاهرة الانفلات هذه ويتساءلون عن معنى هذا الخور الذي يجري على مرأى ومسمع من الجميع... على أن اللافت أكثر في «الظاهرة» هو هذا التساهل الذي تبديه الحكومة تجاه هذه التجاوزات الخطيرة.. فهي لا تحرك ساكنا إلا لماما.. الى درجة أن من التونسيين من بات يشك في وجودها أصلا ولولا الاضرابات ومظاهر الاحتجاج عليها (الحكومة) وعلى قراراتها.. ولولا بعض الحملات الاعلامية الهستيرية على أدائها وعلى وزرائها وعلى أي قرار يصدر عنها مهما كانت صبغته لما انتبه الناس الى أن هناك حكومة قائمة ائتمنوها على أهداف ثورتهم وعلى أمنهم وعلى مشروع الدولة الديمقراطية.. دولة ما بعد انتخابات 23 أكتوبر 2011... هل سيتواصل النزيف.. وهل سيتواصل غض الطرف عن هذه الجرائم التي أضحت تهدد في العمق الاقتصاد التونسي والسلم الاجتماعية.. أم سيتحرك حماة الثورة وحراسها من أجل وضع حد لظاهرة «العربدة» السياسية والاجتماعية والنقابية والإعلامية التي باتت قائمة... في كلمة: هل سنحمي ثورتنا ووطننا.. أم أن هذه «الكوميديا السوداء» ستتواصل.