دخلت الثورة شهرها الثاني دون أن تستقر الأوضاع نهائيا وتعود البلاد الى الانتاج والسعي الى التنمية وخلق الثروة. وتشهد عديد المدن في البلاد تواصل حركات الاعتصام والاضرابات والايقاف المتعمّد للانتاج رغم أن شهر الثورة الاول خلّف لنا 5 مليار دينار من الخسائر الموجعة لاقتصادنا وحياتنا اليومية، كانت المجموعة الوطنية بحاجة اليها للاستجابة لمطالب التشغيل والتنمية التي كانت أولويات استحقاقات الثورة. وفي وقت هدأت فيه خواطر العاطلين والمعطلين عن العمل انتظارا لتفعيل قرارات الحكومة المؤقتة الخاصة بالتشغيل وبتقديم المنح تحرّك آلاف العمال في قطاعات متعدّدة ودخلوا في اضرابات واعتصامات لم تراع التشريعات المعمول بها مطالبين بالزيادات في الأجور وبتحسين وضعيات مهنية رغم أن هذه المطالب من مشمولات المفاوضات الاجتماعية التي حان موعدها. ولا شك أن توقف الانتاج في المؤسسات والمصانع سيخلّف خسائر كبيرة لأصحابها وللمجموعة الوطنية، وتزداد الخطورة حين تتأكّد نيّة عشرات المستثمرين الاجانب في اغلاق مؤسساتهم ومغادرة البلاد بما يعنيه ذلك من تسريح للعمال وخسائر آلاف مواطن الشغل في وقت يجتهد الكل بحثا عن توفير مواطن شغل لأشخاص طالت بطالتهم وساءت أحوالهم الاجتماعية. والأكيد أن هناك اليوم فهما خاطئا للثورة يشرّع للفوضى ويغلّب المصلحة الذاتية الضيّقة على حساب المجموعة الوطنية عبر ممارسات هجينة لن تؤدي إذا تواصلت إلا الى اجهاض الثورة وتعطيل تحقيق أهدافها. كما تعيش عديد المدن توسع ظاهرة خطيرة تتغطى برداء الثورة والحرية وتستهدف ضرب عديد المكاسب ومنها التسامح وحرية المعتقد وتتعدى على الحريات الفردية وتتطاول على دور المؤسسات والهياكل القائمة مستغلّة حالة الانفلات والفوضى. إن للدولة هيبة يجب المحافظة عليها باحترام قوانينها ومؤسساتها والحكومة المؤقتة مطالبة بحماية هذه الهيبة حتى وان كانت تفتقد الى شرعية شعبية كبيرة وإنها جاءت فقط من أجل تصريف الأعمال لفترة محدّدة. إننا في منعرج خطير ويجب ان تكون الغلبة ولو وقتيا للاقتصادي قبل الاجتماعي وعلى الأقل بالتوازي معه وعلى الجميع إدراك ذلك والمساهمة في التنمية لأن الثورة بلا ثروة لا تحقق أهدافها.