هناك معادلة استعصت على الحل وعلى الفهم في مسالك التوزيع في تونس وما انفك المستهلك يدفع ثمنها وتتمثل في الارتفاع المتواصل للخضر والغلال والمنتوجات الفلاحية بصفة عامة والاضطراب في التزوّد بها ومحاولة كل طرف اعلان براءته بل وتضرره من الظاهرة. منذ ايام اعلن المكتب التنفيذي لاتحاد الفلاحين ان قطاع الفلاحة اصبح يعيش هشاشة وتراجعا في مداخيل الفلاحين وهو ما تطلب مراجعة جذرية لاوضاعه. وتدعو منظمة الفلاحين الى تنظيم حوار وطني يشمل كل المواضيع المتعلقة بالانتاج والخزن والترويج والاسعار بما يضمن كل مقومات النجاعة والمردودية الاقتصادية ليصبح قطاعا مربحا. تبرئة الذمة وفي اكثر من مرة يقول الفلاحون انهم لا يصدقون الاسعار التي تباع بها منتوجاتهم في اسواق التفصيل بعد ان يكونوا باعوها في سوق الجملة باسعار معقولة بل وفي الغالب متدنية وخاصة في حالات الوفرة. ويدافع وكلاء البيع او «الهباطة» عن أنفسهم ويدحضون التهم الموجهة اليهم بأنهم وراء ارتفاع الاسعار بالاعلان منذ البداية عن أسعار مرتفعة للمنتوجات وان صغار التجار يضطرون الى بيعها باسعار تبدو مرتفعة لأنهم اشتروها كذلك واضافوا اليها هوامش الربح القانونية المحددة من الحكومة. ويرى «الهباطة» ان الاسعار المقدمة في سوق الجملة لا يمكن ان تقفز على الواقع لأن التجار لا يشترون اية بضاعة الا بسعرها الحقيقي ويعسّر على الوكيل فرض السعر الذي يريده. ويقترح «الهباطة» التخفيف في الاداءات المفروضة عليهم والزام الفلاحين بعدم بيع منتوجاتهم خارج سوق الجملة للتجار الجشعين الذين يأتون الى ضيعاتهم ويشترون باسعار قد تناسب الفلاح باعتبار انها تعفيه من دفع كلفة النقل الى سوق الجملة ودفع الاداءات المطلوبة. وبين تصريحات هذا الطرف وذاك تؤكد اجهزة الرقابة انها تتصدى للمحتكرين والمتلاعبين بالاسعار وتحرص على شفافية المعاملات التجارية وتقدّم بصفة دورية ارقاما عن الاف المخالفات التي رفعتها والكميات التي حجزتها واتلفتها... لكن الاسعار تبقى كما هي ولا يقدر ا ي طرف على انزال المحرار درجة بل ان السعر المتداول في فترات قلّة العرض والندرة يصبح قاعدة حتى في زمن الوفرة الذي لا يشهد في الغالب نزول الاسعار او انخفاضها عملا بقاعدة العرض والطلب. البيضة والدجاجة ويقول المنتجون انهم ضحايا عند الندرة وعند الوفرة ففي الحالة الاولى ترتفع الكلفة وخاصة في المواسم التي لا تتوفر فيها الامطار ولا يمكن للاسعار ان تغطي الفارق وعندما تأتي الوفرة والسنوات المطرية تصاحبها ضغوطات «الهباطة» وعملهم على فرض الاسعار التي يريدونها واملاء شروطهم على الفلاّح فتكون العائدات ضعيفة خاصة وان امكانيات الخزن وتكوين المخزونات التعديلية ليست متاحة دوما او في قدرتهم. هذه المشاكل تدفع عديد الفلاحين الى التخلي عن انتاج بعض المواد التي حققت صابات كبيرة وأصبح عرضها وفيرا خشية من تدني الاسعار والاضطرار الى القاء الفوائض في المصبات والاودية وهو ما تم بالنسبة للحليب والمشمش والطماطم والبطاطا في اكثر من موسم. الانفتاح على التوريد والمؤسف ان هذه الوضعيات والظروف المناخية والاوضاع الصعبة التي يجد فيها الفلاح نفسه وارتفاع مؤثرات اسعار المنتوجات الفلاحية تجعل الادارة تلجأ للتوريد لتعديل السوق والزيادة في عرض المنتوجات الاساسية وهو ما تم بالنسبة للبصل والبطاطا والاسماك واللحوم والحليب اضافة للحبوب التي اصبح توريدها عاديا، وهي منتوجات كنا الى سنوات قليلة ماضية نفاخر بأننا حققنا فيها الاكتفاء الذاتي بل وأصبحنا نعيش فيها مشاكل فائض الانتاج والبحث عن اسواق لها. فهل سيتواصل هذا الوضع بعلله المتعددة التي لم تعد تخفى على أحد أم تتضافر جهود كل الاطراف المتدخلة لمحاصرة المتطفلين والمضاربين والمحتكرين؟