خلص الكاتب في الجزء الأول من مقاله إلى التوطئة في الدساتير الأجنبية مستشهدا بالمثال الألماني... وفي الجزء الثاني من مقاله يقول يمثل صدور الدستور الاسباني سنة 1978 قمة انتقال اسبانيا للديمقراطية وتمت المصادقة عليه بعد استفتاء شعبي يوم 6 ديسمبر سنة 1978 وصدر بتاريخ 27 ديسمبر من نفس السنة. وبالنسبة لفرنسا يعتبر دستور 4 أكتوبر 1958 الذي لا يزال سائر المفعول أعلى تشريع قانوني في البلاد ومن الدساتير التي بقيت مدة طويلة دون أن تتغير وكانت من أهم الأسباب التي دعت إلى إعداد هذا الدستور حرب التحرير الجزائرية وحالة عدم استقرار الحكومة في ذلك الوقت ويمثل دستور اليابان لسنة 1946 منعرجا تاريخيا لدولة لم تستسلم عسكريا إلا بعد قصفها مرتين بالقنبلة النووية الأمريكية ويعلن في توطئته على خيار التعاون السلمي مع كل الأمم ونبذ الحرب وأهوالها وجاء في الفصل التاسع أن الشعب الياباني قرر عدول دولته نهائيا عن حقها في إعلان الحرب أو التهديد باستعمال القوة ويتميز دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية لسنة 1979 (المنقح سنة 1989) بتوطئة مطولة جاء فيها بالخصوص «...أن دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية هو تعبير عن المؤسسات الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية في المجتمع الإيراني وهي ترتكز على مبادئ وتعاليم الإسلام التي تعكس تطلعات المجموعة الإسلامية... وفي فجر هذا النصر الأكبر للثورة الإسلامية... تدعو امتنا بكل قوة إلى انجاز أهداف الثورة...» ويتضمن الدستور الإيراني 9 فصول خصصت للجيش وحرس الثورة ويتمثل دور جيش الجمهورية الإسلامية في الحفاظ على استقلال البلاد ومناعتها الترابية والنظام الجمهوري الإسلامي للبلاد وهو ملزم بان يكون جيشا إسلاميا ايدولوجيا شعبيا تضم صفوفه أشخاصا أكفاء يؤمنون بأهداف الثورة الإسلامية ويسعون لتحقيقها كما ينص الدستور على منع تركيز قواعد عسكرية أجنبية ولو لغايات سلمية ويمنع أيضا استعمال العسكريين والتجهيزات العسكرية لأغراض نفعية خاصة... ويلاحظ مما تقدم أن دساتير الدول وإن اختلفت خصوصياتها وفي شكلها هي تعبير عن مطالب شعبها و برامجها الإستراتيجية بالأساس الدستور عمل هين و المجلس الوطني التأسيسي جهاز عتيد رغم استعصاء المشاكل الاجتماعية يمكن القول أن البرامج السياسية الكبرى منذ الثورة تقدمت وتحققت بعض أهدافها وفي خصوص الدستور الجديد فهو إن شئنا عمل هين طالما يوجد دستور 1959 الذي يعد مرجعا له ومن المتوقع أن يتم إعداد هذا المشروع بأكثر سرعة إذا اجري العمل على مراحل وداخل مجموعات أفرادها يحترمون قواعد عمل متفق عليها بحيث يصبح مع تقدم الانجاز من الصعب التراجع والطعن في ما تم عليه الإجماع ولا يتناول الكلمة في المرحلة الأخيرة إلا رؤساء المجموعات ويعود سبب التأخير في إعداد الدستور إلى تدخل الأحزاب في عمل النواب ومحاولة تأطيرهم بصفة ملفتة للنظر لكن هذا التأطير كشف عن مزاياه لأنه يلزم المعنيين به بنوع من الانضباط وخاصة التابعين للترويكا خلافا لنواب الأحزاب الأخرى والمستقلين وصادف كذلك أن تأجل عمل النواب عند وقوع أزمات وحوادث على مستوى وطني أو بسبب مناقشة قانون المالية ويخص عمل إعداد الدستور بالدرجة الأولى نواب المجلس الوطني التأسيسي ويمكن لممثلي المجتمع المدني والمختصين منهم في القانون والاقتصاد وعلم الاجتماع وشؤون الدفاع الوطني والأمن إبداء رأيهم ويمكن الاستعانة بكل من يرى في نفسه المقدرة بشرط موافقة المجلس التأسيسي وقد يكون رأي رجل القانون أكثر فائدة من المختصين الآخرين باعتبار الدستور أهم مرجع تشريعي للدولة لكن دوره لا يجب أن يتجاوز دور الفني في هذا المجال وليس من باب الإطراء القول أن المجلس الوطني التأسيسي يحظى بتقدير كل فئات الشعب وربما يعود ذلك إلى عدم مشاركته المباشرة في سياسة الحكومة ويعتقد المواطن انه فعلا جهاز عتيد وكأنه غير مؤقت ويرى فيه التونسيون أحسن انجاز لفترة ما بعد الثورة وهو الأكثر قابلية للتطور نظرا لرعايته لمصلحة البلاد العليا من جهة ولحرصه على الانضباط في العمل وتسييره لأعضاء المجلس بطريقة ديمقراطية بعيدا عن الاعتبارات الحزبية من ناحية أخرى ونظرا كذلك للديناميكية التي تتميز بها المعارضة. ويحتوي دستور سنة 1959 على نقائص يمكن تداركها وتبقى الدساتير التونسية وبعض الدساتير الأخرى ومساهمات ممثلي المجتمع المدني إضافة لا يستهان بها و حتى يرتقي نص الدستور القادم إلى مستوى تطلعات الشعب الذي ثار على الطاغية واجبره على الفرار يوم 14 جانفي عليه أن يتضمن بصريح العبارة الإشادة بالثورة وبمن كان طرفا فاعلا مباشرا فيها مثل الشعب والجيش والمجتمع المدني ويحدد أولوياتها المتمثلة في الحرية والعدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة بين الجهات ويتحقق ذلك شريطة اعتماد نظام برلماني فدرالي تتمتع فيه الجهات بالاستقلالية الاقتصادية ويكون لها برلمانها المصغر الخاص بها على غرار اسبانيا أو سويسرا وإذ لم تعبر القوات المسلحة عن طلباتها في أي مجال فقد كانت دوما هكذا ولا تزال تعمل في صمت ويطالب الشعب منذ بداية الثورة بشد أزر الجيش ودسترة دوره حتى يبقى قويا منيعا جاهزا لحماية الشعب وحماية حريته ويقنن تدخله مستقبلا. الكيلاني بن نصر