قد لا يرضي، ولن يرضي بالتأكيد الحكم الصادر بالأمس بحق الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك ومعاونيه وأبنائه كل المصريين، وستكشف الساعات القليلة القادمة عن تداعيات هذا الحكم لا على المشهد السياسي ليزيد تأجيج الاحتقان, ولكن أيضا على نتائج الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية المصرية المرتقبة خلال الايام القادمة.. على أن الواضح أن المحاكمة التي وصفت بمحاكمة القرن، وتسمر الملايين صباح أمس في مصر وخارجها لمتابعة أطوارها ستظل سابقة في العالم العربي وفي دول الربيع العربي، فهي لا تشبه في شيء محاكمة الرئيس العراقي صدام حسين التي تمت تحت الاحتلال. والتي قد لا يكون من المبالغة في شيء الإقرار بأنها أثارت غضب أغلبية المسلمين في العالم بعد أن تمّ تنفيذ حكم الإعدام في حقه يوم عيد الأضحى، وفي ظل ملابسات وظروف تابع العالم أطوارها وأدرك أنها أبعد ما تكون عن العدالة المنشودة.. ستة أشهر هي مدة المحاكمة التي فرضتها مسيرة المليون التي قادها المصريون وحدهم دون أن يكون لهم قائد أو زعيم باستثناء شعلة الثورة في الحرية والعدالة والديمقراطية، شهدت تسعا وأربعين جلسة، بدأت علنية قبل أن يتمّ تعليق بثها على الفضائيات المصرية. لسنا بصدد مناقشة الحكم الصادر فتلك مسألة كان وسيظل لرجال القانون وخبراء القضاء أكثر من رأي فيها ولكن الأكيد أن من تتبع جلسة الأمس قد تملكه إحساس غريب امتزج بين مشاعر الاستياء والارتياح في نفس الوقت بل ان في مظاهر الغضب والعنف والهيجان -التي هزت قاعة المحكمة بمجرد إعلان الأحكام- لم تكن من دون مبرر، وقد شعر الكثيرون ولا سيما أهالي الضحايا والشهداء الذين كانوا يتطلعون إلى إنصاف العدالة لأبنائهم وذويهم الذين قدموا أرواحهم للثورة قد أصيبوا بخيبة أمل ومرارة بعد تبرئة جمال وعلاء مبارك من تهم استغلال النفوذ بسقوط الدعاوى.. على أن الأكيد في كل ذلك أن المحاكمة لم تنته بعد ولم تطو فصولها نهائيا, وقد كشفت اللقطات القليلة التي سلطت فيها الكاميرا الأضواء على وجه مبارك، كم كان منشغلا بما يحدث من حوله وكم كان مهتما بما يدور حوله. والحقيقة أن تلك اللحظات التي لا بد وانها كانت بطول الزمن على زعيم مصر المخلوع ستظل عالقة في أذهان الكثيرين وستبقى بمثابة الهاجس الذي يؤرق الكثير من الحكام ويثير لديهم الهواجس والمخاوف من لحظة الحساب والوقوف أمام العدالة بعيدا عن هالة الأمس وعن كل مظاهر السلطة المطلقة والحصانة التي كانوا يتمتعون بها.. بالأمس أضيف إلى قائمة الطغاة الطويلة الذين انتقلوا من القصور إلى المنافي والسجون اسم مبارك، لينضم إلى القذافي وتايلور الذي صدر بحقه حكم بالسجن خمسين عاما قبل أيام وميلوسيفيتس وكرادجيتش وعيدي أمين وموبوتو وغيرهم ممن لم تنفعهم كنوزهم وأموالهم في مواجهة غضب الشعوب.. سيحسب لمبارك أنه لم يسع للهرب من بلده وتقبّل وهو العسكري محاكمته أمام القضاء المصري وربما يكون في ظهوره أمام العالم ذليلا ضعيفا مستصغرا وهو يقاد على نقالة إلى مواجهة مصيره ما يمكن أن يشفع له يوما عندما يقول التاريخ كلمته الفصل ويسجل أنه اختار على الاقل قضاء ما بقي له في حياته أن يعيش وأن يموت على أرض مصر على خلاف بن علي الذي سيحسب عليه بدوره أنه اختار الذل مرتين يوم هرب سرا على طريقة الخونة للأمانة وللأوطان ويوم اختار حياة الرفاهية على مواجهة العدالة وتحمل مسؤولية ما اقترفة طوال سنوات حكمه.. أما الدرس الأهم في محاكمة مبارك فهو بالتأكيد موجه إلى كل حاكم أو مسؤول مهما كان موقعه أن لحظة المحاسبة والمساءلة قادمة مهما تأخرت، فقد انتهى زمن كانت فيه الشعوب تعامل معاملة العبيد، وللحكام سلطان بلا قيود.. فهل يفقهون ؟... آسيا العتروس