عرض المخرج علاء الدين أيوب مساء أول أمس الجمعة بقاعة الفن الرابع بالعاصمة مسرحية«ضمير حي» وهي لشركة فاضل للإنتاج ومدعومة من وزارة الثقافة وقد أخرجها وكتب نصها واعد لها السينوغرافيا واقتبسها بتصرف كبير عن فكرة للكاتب البولندي سلافومير مروجاك. واستعان أيوب في ذلك تقنيا بكل من محمد الصحبي بن حسن ومعز اللبان وسمير الفرجاني وعبد الباسط التواتي وبمحمد بن صالح الذي كتب للمسرحية كلمات أغنية «غزالة» وسندة الصكلي التي أدتها. وتتناول المسرحية قضية الخيانة التي قد يذهب الظن بالكثيرين إلى أنها ناتجة عن التنافس غير البريء بين الناس حين يجتمعون للعمل او النشاط حتى التطوعي منه في منظمات واتحادات نقابية وسياسية واجتماعية ويتضح في نهاية المطاف ان الخيانة نابعة من شعور إنساني وأحاسيس بالغيرة في معناها البسيط والتي يمكن ان تكون كالتي حدثت بين قابيل وهابيل. وعلى هذا الأساس يشي البطل واسمه «الخايخ»- ويؤدي دوره الممثل محمد فوزي اللبان- بصديقه النقابي يوسف (محمد اليانقي) فيدخل السجن ويتم تعذيبه وتطلب زوجته نرجس الفاتنة والحالمة وصغيرة السن ( الممثلة سماح التوكابري ) الطلاق لأنها كانت على علاقة آثمة بالخايخ . هذه العلاقة لم تكن لتخفى عن زوجته سالمة (الممثلة هالة عزيزي ) ولكنها تختار ان لا تتكلم عنها وان لا تحاسبه ليتعذب. الخيانة اسبق من الغيرة والتنافس هذا الجو المشحون بالتوتر السياسي والنقابي في الحياة العامة وفي علاقة الخايخ مع وزوجته وقد عجزا على إنجاب طفل يعطي لحياتهما معنى ويضمد جراحا تسببا فيها لبعضهما البعض إضافة إلى إحساسه بالذنب وتأنيب الضمير لإيمانه بأنه قضى على مستقبل وحياة صديق عمره بوشاية حاقدة بسبب عشقه المحموم لنرجس . وهذا الشعور بالذنب والخوف من افتضاح أمره جعله على قاب قوسين أو ادني من الجنون حتى انه أصبح يرى ضميره وقد تجسد في صورة صديقه يوسف يلاحقه ويؤنبه ويخيفه مما يدفعه ودون أن يشعر إلى الاعتراف بجرمه المشين على مرأى ومسمع من زوجته سالمة . لقد استطاع المخرج علاء الدين أيوب ان يتحكم في التصاعد الدرامي للمسرحية ولم تفلت منه الشخوص ولم تخرج من تحت سيطرته الأحداث رغم صعوبة التحكم فيها لأنها على صلة وثيقة بالآني وبما يحدث اليوم في بلادنا بعد 14 جانفي كما إنها توثق دون تحامل او تدخل حاقد ما حدث لبعض الرموز وما قد يحدث مستقبلا في أقبية التعذيب . وتمكن أيوب من تقديم مسرحية خالية من الشعارات السياسية رغم أنها ذات بعد سياسي تم تناوله بكثير من الحذر والذكاء حتى لا يرتبط بحقبة زمنية معينة ولعل هذا الموقف نابع من إيمانه بان تعذيب المناضلين والمناهضين للظلم والحكام الجائرين لا يمكن ان يرتبط بزمان او مكان حتى وان كنا بصدد ثورة. استطاع الممثلون في مسرحية «ضمير حي» إيصال تفاعلات وتوترات الشخصيات وما يحسون به من ضيق وانسداد للأفق وقد اختاروا الانفصال عن الماضي الذي لا يذكرهم إلا بالفشل. وتمكن محمد فوزي اللبان ( الخايخ) من إقناع الجميع بتلك الحالات النفسية التي تنتاب البعض قبل ان ينتقلوا إلى الضفة الأخرى .. الضفة التي يرفض فيها الناس واقعهم ويخترعون واقعا جديدا يشكلونه كما يريدون ويمنعون الغير من ولوج هذا الواقع الجديد الذي يسميه « العقلاء» الجنون. الخيانة قاطرة جرت الأحداث لقد تلاعب علاء الدين أيوب بواقع الخيانة وأدانها في المجتمع وفي المسرحية حيث جعلها السمة البارزة لكل العلاقات التي ربطت الشخوص ببعضها البعض والقاطرة التي جرت كل الأحداث رغم انه لا احد نطقها كمصطلح خلال المسرحية ولكنه لم يستطع ان يخفي اعتقاده داخل المسرحية بان الخيانة أنثى راغبة في الحب وفي الكرامة وقد تجسد هذا في شخصية سالمة الزوجة المخدوعة وأنثى لعوب ترغب في النهل من مغريات الحياة وطيباتها ولو كان ذلك على حساب من أحسنوا لها. كانت الخيانة هي البطل الأوحد في المسرحية وهي التي جعلت يوسف يطلب من الخايخ -وقد ذهب ليعتذر له بعد صدور عفو عليه وخروجه من السجن فوجده منهارا نفسانيا وفي صحة متدهورة- ان يساعده على الانتحار وان يتزوج أرملته نرجس لأنه كان على علم بمغامرتهما وخيانتهما له . الخيانة بداية ونهاية والخيانة هي التي أدت إلى تدهور الحالة الصحية والنفسية للخايخ بعد موت صديقه يوسف وهي التي جمعت في النهاية الزوجة المخدوعة سالمة بالعشيقة نرجس وجعلتها تتبناها وتدفعها إلى التعبير عن مواهبها بامتهان الفن.. وهكذا تثأر سالمة لنفسها وتستعيد كرامتها المهدورة بالطريقة التي تراها صالحة وهي أن تساعد نرجس على التألق وإبراز مفاتنها ومواهبها المتعددة ومزيد التنكيل بالرجال وتربط مصيرهما معا.. هذا المصير الذي استعصى على يوسف والخايخ . وعند هذا الحد تنفتح أبواب خيانات جيدة تستمد شرعيتها من الماضي . ماضي المرأة ..ماضي نرجس وسالمة. ولكن ما سبق لا يمنع من إبداء ملاحظة ان عملية إدخال واخراج الديكور على قلته واقتحام الركح كانت مقلقة جدا أحيانا وقد كان المفروض ان يبحث المخرج عن طريقة تجعلها منصهرة في أحداث المسرحية حتى لا تطول فترات الفراغ وتنقطع الحركة بين مشاهد المسرحية.