لا يختلف عاقلان في أن الأسبوع المنقضي كان حافلا بالأحداث والتصريحات النارية والتي في نهاية المطاف كشفت حقيقة الوضع فقد ساد اللون الرمادي الأجواء السياسية والاجتماعية رغم مسارعة الوزراء بعرض مشاريعهم على الجهات... كما لا «يتناطح عنزان» في أن الشرارة الأولى للأجواء الساخنة التي طبعت نهاية الأسبوع كانت تصريح مية الجريبي التي طالبت بحكومة انقاذ إثر تخفيض مؤسسة دولية مختصة للتأمين السيادي لتونس... وبغض النظر عن مية الجريبي وانتمائها السياسي فإن ما أثار حفيظة الحكومة وحركة النهضة ما سمي بحكومة كفاءات وطنية «تكنوقراط» حيث رأى عديد الوزراء الحاليين أن مثل هذا الكلام تشكيك في قيمتهم. وإذ لا أحد يشكك في النوايا الصادقة لهذه الحكومة التي تسعى جاهدة لتحقيق الأهداف وانقاذ الوضع وتأمين هذه المرحلة الانتقالية، ولا أحد أيضا يشكك في أكداس الشهائد العليا لكل وزير في هذه الحكومة فإنه لا بد أيضا من الاعتراف بأن هناك فرقا واضحا بين الشهادة والكفاءة والمقدرة، وبأنه لم يعد مطلوبا التهليل والتكبير للحكومة بل عليها أولا الاعتراف بالعجز في عديد المسائل لأن واقع الحال يقرّ بذلك فحتى المشاريع التي عرضها وزراؤها على بعض الجهات والاعتمادات المرصودة لم تولد إلا مزيد الاحتقان الاجتماعي ولاقت العديد منها الرفض لأنها لا تتماشى وواقع هذه المناطق المحرومة التي عانت الويلات على مر عقود عديدة... فهل سنقول أيضا إن أهالي هذه الجهات لهم «أجندا» سياسية مثل مية الجريبي ويريدون الاطاحة بالحكومة... والثابت أيضا أنه بدل جلد الذات ومحاسبة النفس والأخذ بالنقد والانتقادات على محمل الجد تحرّكت ما سميت بمسيرات المساندة للحكومة ولقرارات وزراء منتمين لحركة النهضة ولعل ما حدث أول أمس في صفاقس دليلا على ذلك حيث كان في الصفوف الأمامية وقائد المسيرة عضو من المجلس التأسيسي عن جهة صفاقس والذي أطل علينا بتصريح تلفزي يقول فيه «فاتكم القطار»... فعلا لقد فاتنا قطار التنمية العادلة ومعالجة المشاكل الاجتماعية والبطالة وغيرها من الملفات الحارقة... وليس مفروضا علينا حضرة النائب المحترم أن نصدق أرقام المعهد الوطني للإحصاء الذي أصبحت احصائياته محل جدل وتغيرت معه فجأة الأرقام لنشكك في أرقام مؤسسة دولية متخصصة. حتى لا يفوتنا القطار، سيدي النائب الذي يفوق راتبك وامتيازاتك في شهر واحد رواتب عامل أو موظف كادح 12 شهرا (الذي من المفروض أن تتعاطف معه الحكومة قبل النقابات) ونغضب منه عندما يحتج بطريقة شرعية للمطالبة بحقوقه... بينما تنتظم المسيرات المساندة للحكومة حتى إن أخطأت... لا أحد يشكك في صدق وزير الداخلية الذي أثلج الصدور عندما تحدث عن العنف السلفي بل جميعنا معه في ذلك ولكننا لسنا مع رئيس الحكومة عندما تحدث عن اتحاد الشغل بطريقة لا تتماشى مع جملة حشاد الشهيرة التي تؤكد أن نضال الاتحاد ليس من أجل «الخبز والبنطلون» فقط... على حكومتنا قراءة التاريخ جيدا فالمنظمة الشغيلة هي القاطرة التي تقود البلاد إلى بر الأمان كلما استنجدت بها الحكومة وبالتالي من الأجدى عدم مهاجمتها وقراءة التاريخ جيدا...