عبّر «شيوخ» التيّارات السّلفيّة في أكثر من مناسبة عن رفضهم القطعي الإندماج داخل التّنظيمات الحزبيّة و الحكومات التي لا تتبنّى مبدأ تطبيق الشريعة الإسلاميّة، موقف لم يلتزم به جزء كبير من هذا التيّار.. فبعد أن مثلوا نسبة لا بأس بها من القاعدة الانتخابية لحركة النهضة كحزب سياسي بمرجعية فكرية إسلامية اختار جزء هام من التيار السلفي المرور إلى التنظيم الحزبي وشهدت بالتالي الساحة السياسية التونسية خلال الأشهر الماضية ولادة أكثر من حزب سلفي (حزب الإصلاح، حزب الأصالة..). هذه الأحزاب الوليدة اعتبرت الحكومة الحالية غير جادة في مسارها الإصلاحي حسب اعتقادها، ولوّحت بإمكانية مشاركتها في الاستحقاق الانتخابي القادم كقوة شعبية قائمة بذاتها موازية لبقية القوى السياسية.. بين المشاركة السّياسيّة.. أكدت الأحزاب السلفية نية مشاركتها في الانتخابات البلدية والرئاسية القادمة، إذ بين رئيس حزب الإصلاح محمد خوجة أن حزبه «على استعداد للتعاون وفتح باب الحوار والتشاور مع جميع الأحزاب والتيارات الفكرية الإسلامية التي تقاسمه نفس المبادئ والمؤمنة بالمشروع الخاص بحزب الإصلاح» واعتبر أن كل الفرضيات بالنسبة للتحالفات واردة كما أن حزبه يتبنى فرضية التقدم بقائمات موحدة لكل التيارات الفكرية السلفية، وبين أن المشاورات التي سيدخل فيها الحزب في المرحلة القادمة من شأنها أن تقدم التصور النهائي لمشاركة حزب الإصلاح في الانتخابات. ورأى من جانبه المولدي علي المجاهد أمين عام حزب الأصالة في حديث ل«الصباح» أنه: « من الضروري ان نكون عنصرا فاعلا في الساحة السياسية وسنشارك في الانتخابات المقبلة لخدمة البلاد والعباد..وهدفنا إيصال البلاد إلى بر الأمان وإصلاح البلاد والاقتداء بالرسول عليه الصلاة والسلام والسلف داعية لله ورسوله..» وأضاف أن للحزب «برنامجا اقتصاديا واجتماعيا ثريا وسيكون كله إسلامي مبنى على الصيرفة الإسلامية من خلال إلغاء المعاملات الربوية، ويعتمد على الاستثمار والمشاركة الفعالة.» وأكد في الإطار أمين عام حزب الأصالة تواصل حزبه «..مع إخواننا في مختلف التيارات الإسلامية لدينا مشاورات مع الجميع حزب الإصلاح للعمل تحت راية الإسلام إضافة الى اتصالات بأبي عياض والشيخ الإدريسي والشيخ البشير بن حسن والغاية من هذه المشاورات هي تجميع التيارات للعمل تحت راية الإسلام والنهوض ببلادنا..» ... والمقاطعة.. في المقابل أفاد أبو أيوب التونسي أحد شيوخ السلفية أنه وإخوانه يعتبرون أن «النظام الحاكم والسياسة مسألة لا شرعية غير قائمة على حكم الله ورسوله والكتاب والسنة ومن منظور شرعي لا يمكن ممارستها، وبالتالي فالانتخابات مسألة غير مطروحة.. اختارت جبهة الإصلاح العمل السياسي والإصلاح من الداخل على خلاف ما نعتقد نحن، حيث نسلك مبدأ الإصلاح من خارج التنظيم السياسي عن طريق الجمعيات والأعمال الخيرية والمساجد بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.» وأضاف أبو أيوب في تصريح ل«الصباح»: «لن نكون وراء أي مرشح لحكم غير شرعي ولو كان له مرجعية إسلامية.. والتيار السلفي اليوم يتقدم شعبيا وبصدد اكتساب زخم سياسي كبير من خلال ما يكال له من لكمات.. لا نتبنى مبدأ عدم ترك المقاعد لغيرنا وحاليا ليس لدينا أي طموح للوصول إلى السلطة غير ان الفرضية تبقى قائمة وفقا للتغيرات في السنوات القادمة فكل العالم على رمال متحركة فلا وجود لنظام ثابت ولا لدولة ثابتة..» حزب التحرير والعمل على النفس الطويل.. وأوضح رضا بلحاج أمين عام حزب التحرير أن حزبه يقوم أساسا على الإسلام ولا يعد حزبا سلفيا، وبين أن حزب التحرير لا يمارس السياسة على أساس التحالفات فهو يتبنى مبدأ تحمل المسؤولية والخطاب والأعمال ويرى أن التحالفات الظرفية يكون لها مكاسب آنية ظاهرها قوة وباطنها ضعف لا يتبناها حزبه. وأضاف أن حزب التحرير يصارع الأفكار الخاطئة لكن في نفس الوقت لا يخاصم، له صراع دائم مع السلطة لأنها المسؤولة على شؤون الناس ويتواصل مع كل الأحزاب الإسلامية وغير الإسلامية. وعن الانتخابات القادمة بين بلحاج أنها ليست أولوية فحزب التحرير «لا ينتخب في ظرف اللاشرع وليس معني بالمسائل التي لا ترضي الله والأمة « و» الانتخابات لعبة مواقع ونسب ولن ندخل فيها.. ونحن نعمل على النفس الطويل..ليس لنا أي اتصال مع حزب النهضة التي تنأى بنفسها عنا مازلنا لم ننظم لقاءات مع الأحزاب السلفية حديثة العهد..» أقلية محترمة.. في قراءة للمشهد السياسي التونسي الذي ميزه تواجد أحزاب بمرجعية سلفية قال محمد حداد الباحث في الدراسات الإسلامية : « أنا مع التوجه الذي يسعى إلى إدماج مختلف التيارات الفكرية والسياسية في المسار السياسي العلني كي نتجنب العمل السري والحلول الأمنية لكن بشرط أن يكون المسار في ذاته واضح المعالم وأن يعتمد نفس القواعد للجميع فلا يستفيد من الحرية من لا يعترف بحرية غيره وعلى هذا فان الاعتراف بحزب معين يقابله اعتراف بالقواعد الأساسية للنظام السياسي ومنها احترام حقوق الإنسان ومكتسبات الحداثة ومبادئ الديمقراطية..» وتابع الحداد قائلا:» هناك تنازل متبادل وينبغي أن يكون تنازلا واضحا.. ولي عتاب بالمناسبة على وزير الداخلية الذي كان من واجبه أن يوضح للرأي العام أطر السماح لهذه التيارات بالعمل، فهل تمت على نفس الأسس التي أعطيت بها لبقية الأحزاب والتي تتضمن الالتزام بالنظام الجمهوري ومدنية الدولة؟..نقر أن هناك نوع من الضبابية وعلى وزير الداخلية أن يتصرف كوزير لكل التونسيين.» وأضاف: «بالنسبة للانتخابات أعتقد أن جزءا من هذا التيار سوف يندفع في المعارك الانتخابية القادمة وسيكون هناك مرشحون يمثلونه وسيتبين أنه أقلية لكن محترمة.. كما إنني اعتقد أن ظاهرة السلفية مرشحة للتفاقم نظرا لأن المشاكل الاجتماعية لم تعرف انفراجا فالشباب العاطل والمهمش في الأحياء الشعبية مازال مقصيا ولم تحمل له السنة والنصف بعد الثورة أي تغيير وبالتالي سيتضخم عدد المنتمين إلى التيار السلفي.» واعتبر الحداد أن لمبادئ التي سينبني عليها الدستور ستكون فاصلة في المرحلة الانتخابية القادمة، فمن لا يعترف بالدستور والقانون والديمقراطية ويعتبرها كفرا فقد ألغى نفسه بنفسه، وقال: «نحترم قناعته ولكن ان حاول فرضها فعلى الدولة أن تحمي مواطنيها وتمارس دورها في فرض القانون العام.» اغلبهم بقي خارج التحزب من جانبه رأى السياسي محمد القوماني أن «التعددية الحزبية التي عرفها المشهد السياسي بعد الثورة كانت لها نتائج سلبية وأثبتت أنها غير صحية ونتجه اليوم نحو تكوين عدد محدود من الأحزاب التي تعبر عن أفكار كبرى لتيارات فكرية مختلفة.. وتعد الانتخابات المحطة الحاسمة التي سيحتد فيها الصراع.» أما عن التيار السلفي بين القوماني: «أن تصنيف التيار السلفي على أنه يمين حركة النهضة أمر فضفاض فالسلفية كمقاربة للدين ومكانته والثابت والمتحول تجمع أغلب التيارات المحافظة ومنها تيار داخل حركة النهضة نفسها.. ومن اختار مؤخرا التنظيم لا يعد التيار الأقوى داخل السلفية فأغلبهم بقي خارج التحزب..» وأشار الى أنه «من المنتظر أن يكون للتيار السلفي حضور وتأثير في الانتخابات القامة لكن ملامح حضورهم لم تتضح بعد فهل سيكون عبر مرشحين يمثلونهم؟ أو بمساندة حركة النهضة؟ فذلك سيبقى رهين الأشهر القادمة والصيغ القانونية التي ستتعامل بها الحكومة مع تصريحات هذه المجموعات وتحركاتهم فيمكن أن تتعمق ( فالمتشددون دينيا لهم قواسم مشتركة مع حركة النهضة) كما يمكن أن تتباعد وتتصادم..»