هل يكون حصول حزب «جبهة الإصلاح» السلفي على تأشيرة العمل القانوني مقدّمة لتنظّم التيار السلفي في تونس والانتقال من العمل السري إلى النشاط العلني وما يقتضيه ذلك من التزام بالقوانين والضوابط المحدّدة للعمل السياسي؟ فقد أعلنت قيادات حزب «جبهة الإصلاح» السلفي أنّ الحزب تحصّل على التأشيرة للعمل في تونس ليكون بذلك أول حزب ذا مرجعية إسلامية سلفية في تاريخ البلاد. وأعلن الحزب في برنامجه أنه يسعى إلى تأسيس الدولة الإسلامية على منهاج النبوة وأنه سيعمل على تطبيق الشريعة الإسلامية.
منح التأشيرة لهذا الحزب قد يكون بداية لاندماج القوى المعبّرة عن التيار السلفي في تونس في الحياة السياسية وبداية لتنظّم هذه القوى ضمن إطار قانوني يحدّد مقاييس العمل الحزبي والنشاط السياسي، وقد يكون مشجعا لبعض الأطراف المنتمية إلى هذا التيار لخوض التجربة ودخول عالم السياسة وعدم الاقتصار على الخطابات الدعوية والعمل «المسجدي» ولكن ذلك لا يعني أنّ التيار السلفي سيتوحّد وسيقبل الدخول تحت سقف السلطة من خلال تأشيرة العمل القانوني بما أنّ شقّا من هذا التيار لا يعترف بالدولة ولا بالديمقراطية والممارسة السياسية.
النشأة والعمل السياسي
ويتفق متخصصون في الحركات الإسلامية وعلم الاجتماع، على أن التيار السلفي مؤهل أكثر للانتشار، وأن نفوذه وقوته العددية قابلان أكثر للتعاظم، خاصة في مناخ استفزازي، وأن الآلية الوحيدة لمعالجة هذه الظاهرة تتمثل في الحوار والإقناع، لا في الحل الأمني.
ويقول صلاح الدين الجورشي المحلّل السياسي والمتخصص في الحركات الإسلامية إن «التيار السلفي في تونس حديث النشأة، وظهرت نواته الأولى بعد أحداث 11 سبتمبر، وتعرّض هذا التيار في أواخر عهد الرئيس السابق بن علي إلى محاصرة وقمع شديدين، حيث إن غالبية عناصره حوكمت استنادًا إلى قانون الإرهاب، وبعد الثورة تم تحريرهم، ووجدوا أنفسهم أمام فرصة تاريخية للتعبير عن وجودهم، من خلال المساجد أو النزول إلى الشارع بكل ثقلهم، وهو ما أثار انتباه التونسيين، وأحدث نوعًا من الرجة لديهم».
ويضيف الجورشي «لكن هذا التيار لا يزال محدودًا من حيث إمكانياته وعدد أفراده، إلا أنه قابل للتطور من الناحية العددية، ويمكن أن يصبح تيارًا ضاغطًا، من خلال مواقع تواجده، التي هي في الغالب مواقع شعبية، كما إنه من خلال شعاراته ومطالبه يمكن أن يلفت النظر، حيث تركز عليه وسائل الإعلام، الأمر الذي يضخم من شأنه، خلافًا لما هو عليه في الميدان، كما أنه يمكن أن يضغط على حركة النهضة، باعتبار أنه يتهمها بعدم حملها مشروعا إسلاميا، والخطر في الأمر أن التيار السلفي لا يتقيّد بالضوابط القانونية، ممّا يخلق حالة من الارتباك على المستوى العام».
من جانبه، أكد محمد القوماني الأمين العام لحزب الإصلاح والتنمية والمتخصص في الحركات الإسلامية أن «مصطلح السلفية مثل مصطلح الإسلامية، هو توصيف فضفاض، ولا يعبّر تعبيرًا سياسيًا دقيقًا، فالإسلاميون مثلاً يمتدون من طالبان إلى أردوغان، مع فروقات كبيرة، وهذا ينطبق على التيار السلفي، إذ لا يمكن اعتبارهم تيارًا سياسيًا أو تنظيمًا، لأن السلفية بالأساس هي منهج في التفكير ورؤية للنص الديني والمجتمع، ومن أهم خصائصه، التي يشترك فيها مع الإخوان وحزب التحرير، هو القراءة اللاتاريخية للنص الديني، أي بمعزل عن التطور التاريخي للمجتمعات».
فالسلفيون، سواء في تونس أو خارجها، حسب القوماني، ينظرون إلى الأشياء على أنها ثابتة، فلا يميزون بين ثبات الدين وموقعه في المجتمع المتغير بطبيعته، إضافة إلى التعاطي مع الديمقراطية على أنها مجرد آلية لفرز الأقلية من الغالبية، وهذا خطأ بطبيعة الحال، لأن الديمقراطية أشمل بكثير من كونها مجرد آلية انتخابية. ويتابع المتخصص في الحركات الإسلامية بقوله «التيار السلفي بشقيه الدعوي والجهادي يمثل قوة عددية مهمة، وهذا واضح من خلال تأثر الجمهور المسجدي بطريقة لباس وممارسات هذا التيار، خاصة خلال موجة التدين، التي عرفتها تونس خلال السنوات العشر الأخيرة، وبالتالي أصبح له تأثير، حتى على قواعد النهضة نفسها، لأنه بالأساس منهج في التفكير، قبل أن يكون تيارًا، والخطر أن التشدد يبدأ ببعض مظاهر اللباس، ويتطور بسرعة إلى أشكال عنيفة ضد كل الذين يختلفون معهم في الرأي، خاصة إذا كان مرتبطًا بالدين، حيث يعتبر صاحبه أنه يمتلك الحقيقة المطلقة، فتصبح المسافة بين الاعتقاد بامتلاك الحقيقة والعنف قصيرة».
احتمالات التنظّم
أمّا عبد المجيد الحبيبي رئيس حزب التحرير فقال إنّ «التيار السلفي غير مهيكل في تونس، وخلافًا لما هو متداول، فهو يمارس السياسة، لكن ليس بمعناها الحديث، ولا أحد يمكنه إنكار تأثيره خلال فترة ما بعد بن علي، ومعظم المتبنين لهذا الفكر هم حديثو العهد بالتدين، وبالتالي جهلهم بالدين يسهّل تأثرهم به، باعتبار أنهم لا يمتلكون الآليات الكافية لنقده، كما أنهم لا يتحركون إلا بالعودة إلى شيوخهم، سواء كانوا في تونس، كما هو الحال بالنسبة إلى السلفية الجهادية، أو خارجها بالنسبة إلى السلفية العلمية، التي تعتبر متصلة عضويًا بمشايخ السعودية، ولا يتدخلون في الشأن السياسي في الغالب». وفي الوقت الذي تنكر قيادات التيار السلفي وشيوخهم في تونس نيتهم في التهيكل أو بعث حزب يضم كل المتبنين للفكر السلفي، لا يستبعد متخصصون في الحركات الإسلامية أن يتطور هذا التيار العقائدي إلى حزب يشارك في الحياة السياسية من داخل المنظومة، شأنه شأن حزب النور في مصر.
وفي هذا السياق، قال محمد القوماني إنّ «حركات التشدد الديني في بدايتها ترفض الديمقراطية، وتعتبرها كفرًا، فمثلاً حركة الاتجاه الإسلامي في بداية نشاطها (حركة النهضة حاليًا) لم تكن تعترف بمصطلح الديمقراطية، وتعتبرها بضاعة مستوردة من الغرب، ولكن تطورت الحركة، وأصبحت تعتبر أن الحرية والديمقراطية مطلب الشعوب، لذا لا أستبعد أن يقبل بها التيار السلفي، والدليل أن نظيره في مصر شارك في الانتخابات، وقبل باللعبة الديمقراطية».
وتابع القوماني: «من الأفضل أن يتهيكل التيار السلفي في إطار حزب أو تنظيم سياسي، وأؤكد أن التخويف من السلفيين أو الهجوم الإعلامي عليهم لن يجدي نفعًا، خاصة أن العمل في السرية يغذّي التشدد، ويجعل التنظيمات تنغلق على نفسها، في حين أن العمل العلني، والاحتكاك ببقية الأطراف السياسية، يمكن أن يطوّرها، وحركة النهضة خير مثال، حيث تطورت خلال الثمانينات، بعد الصراعات في الجامعة مع التيارات اليسارية، واليوم بالتدافع مع الأحزاب العلمانية».
الأصل هو الوجود والمنع هو الاستثناء
من جانبه اعتبر الناطق الرسمي باسم حزب التحرير رضا بلحاج أنّ الأصل هو الوجود والحق في العمل السياسي وأنّ المنع هو الاستثناء، موضحا أنّ القوانين القديمة التي تمنع وجودنا هي خطأ كبير لأنها تعتبر الاعتراف منّة من السلطة وفق قراءة معينة، وهذا يعني أنّ الحاكم هو الذي يختار خصومه.
ورأى بلحاج أن حصول «جبهة الإصلاح» على تأشيرة العمل القانوني أمر طبيعي في وقت فكّت الأمة عنها القيد وتبحث عن الحلول المصيرية. وبخصوص نقاط الالتقاء بين حزب التحرير و«جبهة الإصلاح» قال بلحاج إنّ ليس لدى حزبه «تواصل مع جبهة الإصلاح أو غيرها وحتى إن وُجدت نقاط مشتركة فهي لا تهمّ كثيرا لأنّنا نرفض التحالف مع الأحزاب».
وردّا على سؤال حول مساعي حزب التحرير للحصول على التأشيرة قال بلحاج «حزب التحرير موجود وجودا طبيعيا وقد أثبتنا اننا حزب علني ونعمل في الأمة وفي صلب الأمة، وحتى الاعتقالات التي طالت شبابنا بين 2005 و2011 هي دليل على أننا كنّا نعمل بشكل علني».
وأضاف بلحاج «نحن لا نتنازل، وضماناتنا أعطيناها للأمة وليس للسلطة» موضحا أن هذه الضمانات هي أننا «ضد ممارسة العنف وضدّ الولاء للأجنبي (سواء كان الولاء ماليا أو سياسيا) ونعتبر أنّ الإسلام مشترك للأمة ولا ندّعي احتكاره، فهذه ضمانات تجعلنا في وضع سويّ وهذا ما يجعل الناس يلتفون حولنا بهذا الشكل».