عندما يختاره "جون جاك آنو" مخرج الفيلم الضّخم "الذّهب الأسود" بطلا للفيلم وعندما يختاره المخرج الإيراني "أشقر فرهادي" بطلا لفيلمه الجديد وهو المخرج الحائز على "أوسكار" أفضل فيلم أجنبي بهوليود لسنة 2012 وقبلها كان المخرج الإيراني قد توّج بجوائز عالمية قيّمة من بينها "الدب الذهبي" ببرلين وأفلامه تستقطب الملايين من المتفرجين فإن الصدفة وحدها لا تكفي لتفسير نجاح الممثل الشاب طاهر رحيم في "استدراج" كبار المخرجين السينمائيين بالعالم وتفضيلهم له على عدد من الأسماء اللاّمعة بالساحة السينمائية بالعالم طاهر رحيم يملك شيئا مميّزا يجعل أغلب من يشاهده في أحد أعماله مشدودا إليه.. إنه ليس ذلك الفتى الأول في صورته التقليدية وإنما هو ذلك الممثل الموهوب الذي يتقمص الدور بشكل طبيعي ولا يشعرك بأنك إزاء فيلم أو مشهد تمثيلي. الشكل مهمّ في السينما وطاهر رحيم يملك خصالا فيزيولوجيّة تجعله مختلفا وقبلة المخرجين الباحثين عن ملامح غير عادية وغير متوفّرة على قارعة الطريق. لا يثير الشاب الإنتباه لأول وهلة -وهذا هو سرّه ولكنه يستحوذ على الاهتمام رويدا رويدا حتّى يصبح المشاهد لا يرى غيره ويشعّ ببريقه ليغطّي على بقية المشاركين في الفيلم. لنضرب مثلا على ذلك دوره في فيلم "الذهب الأسود". أدّى طاهر رحيم دور الأمير "عودة" المسالم الذي يجد نفسه في قلب حرب دمويّة في الخليج العربي لحظة اكتشاف البترول بالمنطقة. أدّى الدور بنجاعة وببراعة ملفتة للانتباه حتّى أنه كاد يغطّي على النجم العالمي "أنطونيو بانديراس" الذّي جسّم دور الأمير النّهم الذّي مثّل اكتشاف البترول بالنسبة له حدثا مهمّا وفتح أمامه أبواب الجنّة على الأرض ودخل في صراع مع والد الأمير الشّاب الذي رفض رفضا قاطعا السّماح للشركات الأمريكيّة بولوج الأرض العربية للتّنقيب عن النّفط واستغلاله. وقف طاهر رحيم الند للند أمام النجم أنطونيو بانديراس خاصة وأن عدة مشاهد في فيلم الذهب الأسود جمعتهما أو وضعتهما وجها لوجه. الملامح المطلوبة يبدو الممثل قريبا من الشّرق في ملامحه أكثر منه من المغرب العربي. إيرانيا مثلا مما يجنبه الأدوار التي يحشر فيها أبناء المغرب العربي في الأفلام الغربية ويوفر له مساحة واسعة للتحرك حيث يمكن أن يؤدي شخصية المغاربي كما يمكن له أن يؤدي شخصية الرجل الشرقي. طاهر رحيم هو أصيل الجزائر وينحدر من وهران ويعيش بفرنسا حيث درس السينما بمونبلييي ولمحه النقاد في دور ماليك في فيلم النبيّ للمخرج جاك أوديارس الأعوام الأخيرة. طاهر رحيم هو اسم آخر يضاف إلى قائمة المهاجرين المغاربة الذين كان الفن متنفّسهم وطريقهم إلى الخروج من الظل إلى النور. طريقه لم تكن سهلة مثله مثل العديد من السينمائيّين المغاربة المهاجرين بأوربا سواء كانوا من الممثّلين أو المخرجين إلا أن موهبته ساعدته كثيرا في بلوغ هدفه والتألّق في مجاله. لكن الملفت للإنتباه أن التألق لم يغيّر كثيرا في طبع الممثل ولقد رأيناه خلال زيارته لتونس هذا العام بمناسبة عرض فيلم الذهب الأسود ز , خجولا. لم يركب رأسه ولا زهو ولا غرور. ينتظر الجمهور طاهر رحيم بفضول في الفيلم الجديد للمخرج الإيراني أشقر فرهادي الذي وقع الإعلان عنه في الدورة الأخيرة لمهرجان كان السينمائي الدولي. وكان مشروع الفيلم الذي عرض في برنامج ميديا للإتحاد الأوروبي بمناسبة المهرجان قد فاز بتأييد لجنة التحكيم التي تكونت للغرض ومنحت مشروع الفيلم دعما بقيمة 60 ألف يورو. النجم الجزائري سيلتقي في فيلمه ( باللغة الفرنسية ) الجديد بالنجمة ماريون كوتيّار لأول مرة في تجربته السينمائية. لقد انطلقت مسيرة طاهر رحيم الممثل الجزائري وكما تؤكده مختلف المؤشرات بثبات في اتجاه العالمية.