كورنيش المحرس.. مجسم حديدي متآكل يثير القلق والبلدية تتحرك    عاجل/ إيقاف المعتدين على حافلة وعربة المترو 6..    طقس الليلة.. خلايا رعدية مع امطار بهذه المناطق    بطولة أمم إفريقيا للمحليين: المغرب وكينيا إلى ربع النهائي    أم كلثوم حاضرة بصوت مي فاروق في مهرجان قرطاج الدولي    استعدادات حثيثة لانجاح الدورة 32 للمهرجان الدولي بسيدي علي بن عون    عاجل/ القبض على 67 متهما بتصنيع وترويج المواد الكحولية التقليدية في الكويت..    تقرير صادم: التلوّث البلاستيكي يغزو السواحل التونسية بأكثر من 160 ألف نفاية    بطولة الرابطة المحترفة الاولى: برنامج مباريات الجولة الثالثة    نفقة مليونية وقصر فاخر.. اتفاقية طلاق تسبق زواج رونالدو وجورجينا    حملة النظافة "جربة نظيفة جربة تتنفس" تنتقل من الشريط الساحلي إلى الداخل في توسيع للتدخلات    من قصر هلال إلى العالم: منتجات نسيجية تونسية تهزم المستورد وتغيّر حياة ذوي الإعاقة    تفاصيل مقترح روسيا لإنهاء الحرب.. ماذا طلب بوتين من ترامب؟    عاجل: مهرجان ڤرمدة يعلن إلغاء عرض صوفية صادق ...الأسباب    نبتة رخيصة الثمن تحمي من السرطان وتخفض ضغط الدم: تعرف عليها    أكثر من 804.8 ألف تونسي تحصلوا على قرض من مؤسسات التمويل الصغير    صادرات تونس من الغلال تجاوزت 96 مليون دينار مع منتصف شهر اوت    الترجي الرياضي: البرازيلي رودريغو يرحل و الجزائري بوعالية يقترت و سان يواصل المشوار    عاجل: أزمة جديدة بين البرازيل وأمريكا بسبب رسوم على العنب    هل السباحة ممكنة خلال اليومين القادمين؟..    ملتقى لوفان البلجيكي لالعاب القوى: التونسي عبد السلام العيوني يحرز فضية 800 متر    عاجل: إنهاء مهام مسؤول في تنظيم الحج والعمرة    مشاركات من 60 بلدا في الدورة الخامسة من المهرجان الدولي للفيديوهات التوعوية يومي 30 و31 أوت بسوسة    قابس: تواصل انجاز برنامج التنظيف الآلي واليدوي للشواطئ    مخبر النسيج بمعهد الدراسات التكنولوجية بقصر هلال يقوم بتسجيل 40 براءة اختراع 3 منها خلال السنة الجارية (مديرة المخبر)    حمزة شيماييف بطل العالم للفنون القتال المختلطة    تيمور تيمور غرق وهو ينقذ ولدو... وفاة صادمة للفنان المصري    كميات الأمطار المسجّلة في تونس خلال 24 ساعة الأخيرة    تاكلسة: وفاة شاب في حادث مرور    ورشات في التحليل السينمائي من 20 الى 23 اوت القادم بمنزل تميم    أستاذ الاقتصاد رضا الشكندالي يسلّط الضوء على دلالات الأرقام الجديدة للنمو والتشغيل    محمد الجبالي يلمّح إلى تشابه لحن بين أغنيته وفضل شاكر    قبل ما ترقد، تستعمل التليفون.. أما تعرف شنوّة تأثير الضوء الأزرق عليك؟    جربة: انطلاق اشغال ترميم جامع بن معزوز    انفجاران يهزان محطة لتوليد الكهرباء جنوبي صنعاء    للمطالبة بصفقة تبادل في غزة.. مظاهرات أمام منازل وزراء وإغلاق طرقات في إسرائيل    عاجل: الصوناد توفرلكم خدمة رسائل قصيرة لمتابعة فواتير الماء    عاجل: اضطراب في حركة المرور نحو جربة والوزارة توضّح الطرق الممكنة    إندونيسيا: إصابة العشرات بعد زلزال بقوة 6 درجات    نقل تونس: فتح محضر في حادثة تهشيم بلور إحدى الحافلات الجديدة    كرة القدم العالمية : برشلونة ولامين يامال يضربون بقوة، جميع نتائج اليوم السبت(فيديو):    دقاش توزر: مواطنون يستغيثون: محطات النقل .. معاناة في الصيف والشتاء    مرتضى الفتيتي في حفل بمهرجان سوسة الدولي...فقدت الوعي فعواطفي هي التي غنّت الليلة    تاريخ الخيانات السياسية (48) .. انقلاب على المقتدر بيومين    الاتحاد التونسي للفلاحة يعتبر احترام مؤسسات الدولة ورموزها والمحافظة على السلم الإجتماعية مبادئ ثابتة    نابل: انتهاء موسم جني وتحويل الطماطم بإنتاج حوالي 260 ألف طن    ناج من حادث الجزائر يروي لحظات الرعب : تفاصيل صادمة    عاجل/ جمعية القضاة تدعو إلى الإفراج عن المسعودي..    حجز 4 محركات ضخ وقوارير غاز منزلية بمنطقة الزقب بأوتيك..    احذر.. النوم المفرط قد يدمّر صحتك بدل أن يحسّنها!    طقس الويكاند: ينجم يخلي ''العومان'' ممكن؟    عاجل/ الرصد الجوي يصدر نشرة متابعة..وأمطار منتظرة بهذه المناطق..    عاجل: قمة بوتين وترامب بألاسكا.. محادثات مثمرة بلا أي اتفاق رسمي    حملة وطنية لمراقبة ''الكليماتيزورات'' تسفر عن حجز آلاف الوحدات غير المطابقة...شنيا لحكاية؟    تاريخ الخيانات السياسية (47) ..وزراء و أمراء زمن الخلافة العباسية يحتكرون السلع    خطبة الجمعة...التوسّط في الإنفاق ونبذ الإسراف والتبذير    عاجل : فلكيا...موعد عطلة المولد النبوي الشريف 2025 للقطاعين العام و الخاص    هام/ عطلة بيوم بمناسبة المولد النبوي الشريف..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الظاهرة السلفية
نشر في الصباح يوم 15 - 06 - 2012

لا يُعد تواجد السلفيين بمختلف تياراتهم في تونس ظاهرة عاصرت فترة ما بعد ثورة 14 جانفي. بل أنهم تواجدوا بأعداد متفاوتة منذ بزوغ الظاهرة الإسلامية في تونس أواخر السنوات السبعين من القرن الماضي.
فمجموعة منهم انضمت إلى حركة «الاتجاه الإسلامي» التي أسسها كل من راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو بعد التخلص من الشق المعتدل للإسلاميين الذي يتزعمه حينها صلاح الدين الجورشي وحميدة النيفر. في حين خيرت مجموعة أخرى الاهتمام بالعمل الدعوي والنشاط في صلب جمعية المحافظة على القرآن قبل أن تحاول دخول معترك العمل السياسي في أواخر الثمانينات عندما قرروا تأسيس «الجبهة الإسلامية التونسية» التي سرعان ما وقع حظرها واعتقل قائدها «محمد على حراث» المدير التنفيذي لقناة «إسلام تشانل» البريطانية.
وتزامنا مع سنوات الرصاص التي ميزت حكم الرئيس المخلوع بن علي، انكمش أتباع هذا الفكر وفضل قطاع واسع منهم تحاشي العمل السياسي من خلال اقتصار نشاطهم في صلب جمعية «الدعوة والتبليغ» ومركزها العاصمة الباكستانية. غير أن الثورة التكنولوجية في مجال الإعلام الالكتروني والتلفزي أتاح لعدد وفير من التونسيين الاطلاع على فحوى أدبيات عدد من رموز السلفية بالعالم الاسلامي. وسمح بسهولة استخدام الانترنت في نسج خلايا سرية لمجموعات سلفية غير منسقة تقوم بتنظيم تجمعات محدودة العدد يقتصر دور عدد منها على التكوين الديني، في حين قام عدد آخر بالانضمام إلى مجموعات جهادية سواء بالمغرب أو بالمشرق العربيين. فقط عدد قليل منهم التقوا حول مجموعة في شتاء 2007 سميت بمجموعة «جند أسد بن الفرات»، تمكنت القوات الأمنية حينها من كشف مخططهم لتنفيذ عمليات إرهابية على التراب التونسي. ومع انهيار أركان النظام السابق، ازدادت وطأة سلفيي تونس ونفوذهم بعد أن أتقنوا الاستفادة من الحرية التي توفرت لهم بفضل الثورة.
السلفية تصنف ضمن التطرف الديني. فلا يشفع لأتباع هذا الخط تنوع قراءاتهم للدين للحديث عن تواجد رؤى يمكن أن تتصف بالاعتدال. فالحديث عن سلفية «علمية» مسالمة مقارنة بسلفية «جهادية» عنيفة لا تؤثر بتاتا في اعتبار أنصار مرجعية «السلف الصالح» ينتمون إلى أبناء الرؤية الأحادية للفكر، أي للدين هنا. فأحد تفسيرات التطرف تعني تبني فكرة بشكل دغمائي (أي دون إعمال للعقل) والعمل على فرضها بالقوة المادية (الاعتداء بمختلف أشكاله الجسدية، الحرمان من الحرية) أو الأدبية (الضغط الاجتماعي، التشريعات والتقاليد).
والسلفية وفق هذا التعريف تعتبر متطرفة من حيث ميكانزماتها الداخلية. فأدبيات ذلك الفكر تنزع نحو فرض قراءتهم للدين بالقوتين المادية والمعنوية على كامل المجتمع. ولا يعد سلفي التفكير الذي لا يسعى إلى تحقيق ذلك. يقول احد رموزها السعودي عبد العزيز بن عبد الله الباز بعد أن استعرض أهم أركان الإسلام الخمسة: «وللإسلام ركائز أخرى وإن لم تكن من الأركان لكنها تعين على وجوده حياً مطبقاً في واقع المسلمين، منها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (...) وجانب آخر مهم في الإسلام يجب أن يهتم به المسلمون وهو الجهاد في سبيل الله؛ لما يترتب عنه من عز المسلمين وإعلاء كلمة الله، وحماية أوطان المسلمين من عدوان الكافرين».
ودون الغوص في مسائل فقهية ترتبط بتحديد مفاهيم الأمر بالمعروف (أي معروف ووفق أي مذهب فقهي) ونهي عن المنكر (نفس الشيء) فمن المؤكد أنه في جميع الوضعيات، لا تعد السلفية انتماء عقائديا لا يحتمل التطرف. إلا أن المسالة الأصل هو لماذا يعرف هذا الفكر انتشارا متسارعا في تونس لفترة ما بعد الثورة؟جذور التطرف هي عديدة. وتغيب عن تونس دراسات تبحث وفق منهجية علمية مضبوطة عن علل بروز الفكر السلفي وانتشاره. لذلك يصعب استخلاص استنتاجات دقيقة حول دواعي تواجد سلفيين في تونس. إلا انه لا يصعب، أوليا، التوصل لبعض القراءات عن أسباب اكتساح هذه الظاهرة مختلف الفضاءات الاجتماعية والسياسية في ظرف وجيز. فحسب أحد التعريفات للتطرف فإن «الشخصية المتطرفة ما هي إلا إفراز طبيعي للتناقضات الاجتماعية والسياسية للمجتمع، تظهر في أشكال وصور مختلفة، منها انتهاك القواعد التي أرساها المجتمع كقيم اجتماعية تميزه، وإظهار العداء المقصود تجاه ما اعتمده المجتمع لنفسه وأفراده من أيديولوجيات وعادات وتقاليد».
ومجتمعنا التونسي يشهد تناقضات اجتماعية حادة بين فئة ثرية محدودة العدد مقارنة بعدد السكان وطبقة وسطى غير ثابتة ومتغيرة. والطريق إلى الطبقات السفلى أقصر من تقلد سلم الرقي الاجتماعي، وتتوزع الشرائح الاجتماعية المفقرة على جميع المدن والقرى التونسية دون استثناء.
والتطرف عادة ينشأ بين طيات المجتمع الذي تنتشر فيه معالم الفقر والخصاصة بدرجة اكبر من أن تجد موطئا في المجموعات المرفهة. فالتطرف يعتبر نوعا من الانغلاق على الذات أو تقوقعا حول مجموعة تشاطر هذه الرغبة لمواجهة بقية مكونات المجتمع. فيتم خلق وعي جماعي لتلك المجموعة عبر تصليب وتمتين العلاقة بين أفرادها لمواجهة وعي الآخرين المرفوضين. وتجد مظاهر ذلك الوعي في إتباع عدد من السلوكيات وتبني عدد من الأفكار واتخاذ عدد من المعايير والقيم التي يشتركون فيها.
ذلك أن المجتمعات التي تنتشر فيها نسبة الفقر بشكل كبير تعرف تمددا للفكر المتطرف. والسلفية ليست سوى إحدى أبرز تياراتها. فالسلفيون لا يقتصر شأنهم على إتباع عدد السلوكات أو تبنيهم لعدد من الأخلاق التي يحسبون أنها تعكس جوهر الاسلام الأصلي فحسب، وانما هي شكل من أشكال التجمعات التي تعبر عن لفظ للمجتمع المخالف في الظاهر لعقيدتهم الدينية ولكنه المخالف في الباطن لمكانتهم الاجتماعية.
فعلى سبيل المثال، لاحظ الجميع في الأحداث الأخيرة التي تبعت قضية معرض الفنون بقصر العبدلية بالمرسى أن السلفيين الذين خرجوا إلى الشوارع احتجاجا على ما اعتبروه «مسا بالمشاعر الدينية» كانوا برفقة أضعاف منهم عددا من الشباب المسحوق اجتماعيا.
هذا الشباب الذي لا يعنيه كثيرا حقيقة «واقعة» العبدلية بقدر ما رأى في وقوفه إلى جانب السلفيين شكلا من أشكال رفض «البرجوازية» وثقافتها، وتمردا على قيمهم بعد أن عجز عن اللحاق بهم طبقيا. فوجد ضالته في حضن مجموعات متطرفة تنتمي الى طبقته الاجتماعية وتتفق معه على رفض النظام برمته.
ومثل إشكالية التطرف هذه لا يمكن معالجتها بذات الأسلوب الذي اعتمده النظام السياسي السابق. فالمعالجة الأمنية لوحدها ليس باستطاعتها الحد من آثارها السلبية. فذلك سيعطي صورة لدى الفئات المتطرفة بكون الدولة انحازت إلى جانب الطبقات المهيمنة لحماية مكاسبها. ولكن غض الطرف عن تواجدهم يخدم ضمنيا الدولة وجزء من الطبقة السائدة. فتحويل وجهة أنظار المهمشين اجتماعيا من المطالبة بالعدالة الاجتماعية إلى مطالب ذات مسحة دينية من شأنه أن يوفر الطمأنينة والسكون لتلك الطبقات.. إلى حين!

سفيان الشورابي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.