كان ومازال الصدق والإخلاص جسر تواصله مع جمهوره ولطالما كان نموذجا مختلفا مغايرا عن بقيّة الفنانين في ساحتنا الفنية. يعمل في صمت وإتقان وهو صاحب تجربة رائدة وثريّة ومختلفة. إنه صاحب الصوت المميز والإحساس الكبير, إنه الفنان عدنان الشواشي ما يتغنّى به غالبا ما يعكس اختيارا مبدئيّا وتصوّرا واضحا لمشروع متكامل فضلا عن اختياراته المتميزة للكلمات الهادفة وآدائه الموغل في الإتقان والإحساس الاستثنائي ليؤكد قولة ماركوز الشهيرة القائلة « إن الفن الصادق يجعل العالم المتحجر متكلما» ويسلم بأن الفن هو الأبقى وهو ما يسجله التاريخ وتحفظه الذاكرة.. الفنان عدنان الشواشي أحبته كل الأجيال المواكبة لمسيرته الفنية وأدركت جيدا مدى صدقه في عمله وارتباطه الوثيق بالموسيقى التونسيّة.لذلك عندما يتكلّم عن وضع الفن في تونس اليوم فإنه يتحدّث من منطلق الخبير بالساحة الفنية الوطنية.الأغنية التونسية ما بعد الثورة تشهد حسب رأيه ركودا وظهر أشباه فنانين واكتسحوا الساحة في حين أننا كنا بانتظار ردة فعل كبيرة من الفنانين المعروفين وسعيهم الى تكثيف انتاجاتهم التي من شأنها أن تساهم في دعم رهاننا ألا وهو الرقي بأذواقنا ونبذ كل ما يسيء الى تراثنا. عدنان الشواشي أكد أن نوعية الأغنية التونسية تغيرت بعد الثورة لتأخد منحى سياسيا واجتماعيا على غرار فن الرّاب الذي مثل اتجاها جديدا بفضل عبقرية شبابنا في اختيار المواضيع والأداء الموسيقي.ويضيف محدثنا أن الموسيقى التونسيّة عموما شهدت نفسا جديدا وللأسف والكلام لعدنان- أن العديد من فنانينا المعروفين انساقوا وراء هذا التّغيير وأصبح البعض منهم مختصا في الغناء الديني..» وهو يقول للأمانة ثمة من هو مقتنع باختياراته وثمة من لم يجد سبيلا سوى الانضمام إلى «الفنّانين المنتصرين» المكتسحين الساحة الفنية شانهم في ذلك مثلا شأن فناني الراب «الوهميين».. هؤلاء وصفهم عدنان الشواشي ب«النجوم من القش» واعتبرهم سببا من الأسباب التي أدت إلى الموت البطيء لأغنيتنا التونسية. ويواصل فناننا الحديث متحسرا على ما آل اليه الفن ما بعد الثورة في تونس قائلا»للأسف أن هؤلاء كانوا يعتقدون أن الثورة هي «نعمة» لانتزاع الحق والشرعية ليكونوا فنانين حقيقيين». كما أكد من جهة أخرى «لا يمكن أن ننكر احتيال البعض.مقابل ذلك أنا لا أشجع على مهاجمة هؤلاء لأن مصيرهم سيكون حتما الزوال، ولو أن العديد منهم استطاع منافستنا بشكل واضح بعد ثورة14 جانفي بل تغييبنا نظرا للتقنيات الفنية الضخمة التي يعتمدونها والموارد المالية ودورها في بروزهم في الراديو والتلفزة والصحف كما هيمنوا على عقول وتصورات شبابنا الذي أصبح «مسحورا» من البث الإذاعي المتواصل..» كل هذه المعطيات التي أضحت من المسلمات اليوم ويرى عدنان الشواشي أنها ستكون من أسباب كسب الرهان «بفضل عزيمتنا وإخلاصنا لعملنا ،ولو كان ذلك بواسطة إمكانيات بسيطة ومحدودة». الأغنية البديلة من جانب آخر وفي إطار الحديث عن ركود الموسيقى التونسية بعد الثورة والمجال الثقافي عامة- أكد محدثنا على أن الأغنية البديلة أو الملتزمة وإن ركزت بعد14جانفي على مدلولية وتأثير الكلمة المعبرة عن مضامين ورسالة تهدف الى الكشف عن شواغل وقضايا اجتماعية وسياسية لتلقى إقبالا محترما من الجماهير،فإن ظهورها على الساحة كان على حساب الأغنية التونسية البسيطة في كلماتها العميقة في مدلولاتها، رغم تواتر الأعمال التي لم تكن في مستوى الحدث باستثناء انتاجات رموز الأغنية البديلة في تونس أو خارجها على غرار أعمال الهادي قلة والشيخ إمام ومارسيل خليفة.. وهو ما جعلنا والكلام لمحدثنا- نجتر من جديد أعمال غيرنا دون أن نعي ضرورة مواكبة التغيير الحاصل في بلادنا في مفهومه الأعمق والأشمل وأن نؤمن بأننا قادرين على الإضافة وتجاوز عقبات الماضي. من زاوية أخرى بين لنا عدنان الشواشي أننا نفتقد الى شركات انتاج وهو ما جعلنا قليلي الانتاج على المستوى المحلي لتصبح عملية المزاحمة مع الانتجات الشرقية مثلا صعبة جدا إن لم نقل مستحيلة ذلك أن الإمكانيات الشرقية في المجال الفني جعلتهم يخطون خطوات عملاقة وباتت أغانيهم منتشرة ومحفوظة إضافة الى عنصر التلفزة الذي أصبح هاما في عملية الانتشار. امتيازات للأسف تجعلنا في الوقت الراهن عاجزين على منافستهم مهما تألقنا في التلحين والغناء والشعر.أما تراجع الأعمال الموسيقية الراقية في تونس فيرجعه محدثنا إلى الأصوات الغنائية الحالية التي تعد سببا رئيسيا في عدم نشر موسيقانا إضافة الى أن مجهود أغلب الفنانين للخروج بالأغنية خارج الحدود نسبي جدا.. و هو أمر يرجعه الفنان عدنان شواشي الى غياب ثورة ثقافية التي لم تظهر بعد ،كأن المثقفين من موسيقيين وشعراء وكتاب.. لم يستوعبوا منجزات الثورة بعد حتى يجسدوها ويعبروا عنها بمختلف أشكال التعبير الكفيلة باستنباط الأفكار والخلق والإبداع وبالتالي نشوء عقلية جديدة تهيمن على كل القطاعات فتسهل عملية فرز الغث من السمين وتصبح مقاييس الإبداع جلية عند المتلقي.