إنتظر العاطلون والمحتاجون والفقراء والمهمشون وبعبارة واحدة «المعذبون في الأرض « زيارات الوفود الوزارية الى ولاياتهم، للاعلان عن المشاريع المزمع انجازها، بعد أن نفد صبرهم وفقدوا الأمل في جني ثمار وعدتهم بها الثورة منذ اندلاعها. ..وفي ظل الأحداث الأخيرة (معرض الرسوم بالعبدلية) استفاق المواطن البسيط على لحن نشاز عزفته أطراف هدفها إخراج الثورة من سياقها العام.. والانتشاء بعذابات الناس.. وكان شعارها استفزاز مشاعر العامة من خلال رسوم بعيدة في مضمونها عن محاكاة معاناة الشعوب وآلامها، غير أن ردة الفعل تمثلت في دعوات إلى تكفير العباد وقتلهم، وفتاوى للخروج عن الحكام. ويبقى لسان حال التونسي يتساءل عن أية وجهة أريد بها للثورة ؟. لقد ضاق صدر المواطن البسيط الباحث عن حل لتحصيل قوته اليومي ممن نصبوا أنفسهم وصاة على الدين، يخرجون هذا من ملة الإسلام ويدعون إلى سفك دم ذاك، فيما يرفع الطرف الثاني شعار حرية التعبير والإبداع، في حين أنه من العبث إخضاع المقدسات والحرمات لمنطق الفن الذي لا يعترف بالحدود. وبين هذا الطرف وذاك انتظرنا وجود طرف «رصين »يهدئ «الأجواء المشحونة» ويحول دون تفاقم فتنة يكون وقعها أشد من القتل على شعب أنهكته الظروف الصعبة، لكننا لم نجد أحدا من مشائخ وعلماء الزيتونة حتى أننا خلنا أن ما صدر من أحكام ومواقف عن وزير الشؤون الدينية الذي لم يزر المعرض قد ألهب الأجواء، وكان وقتها مرتديا ثوب الداعية متناسيا دوره السياسي كوزير في الحكومة. لا يمكن لأحد أن يشكك في حكم شرعي، كما لا يمكن لأي كان تكفير مسلم دون علم شرعي. وعموما تقتضي مرحلة التأسيس وبناء الدولة الاهتمام بما هو أهم من المواضيع والمسائل ذات الصلة بمشاغل التونسي اليومية، ولا بمسائل خلافية جوهرها الاستفزاز وهدفها التخريب والاعتداء على الممتلكات والأفراد. إن مصلحة تونس تقتضي وقفة حازمة من أهل القرار، ومن كل تونسي في موقعه درءا لأية فتنة من شانها أن تدخلنا في المجهول.. إلى كل الطامحين لبث البلبلة في الوطن من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.. اتقوا الله في الشعب وكفوا أيديكم عنه... أقولها وأمضي.. لا عيش في تونس لمن خانها...