انتظم يوم السبت في العاصمة تجمع شعبي ضخم أعلن خلاله رسميا عن تأسيس حزب سياسي يريد زعماؤه أن يكون مبادرة جديدة لبناء نواة «القطب السياسي الثاني» في البلاد.. أو»الجبهة الوطنية الجديدة « التي تعيد التوازن للمشهد السياسي والحزبي الذي أصبح منذ انتخابات 23 أكتوبر «مختلا».. أو «برأس واحدة».. مبادرة حزب «نداء تونس» واحدة من بين عشرات المبادرات التي طفت على السطح «لتدارك الخلل في موازين القوى» منذ حل حزب التجمع الدستوري الديمقراطي وبروز حزب النهضة.. في مناخ تميز بتشرذم سياسي وحزبي غير مسبوقين.. وبصراعات علنية (و»صبيانية « أحيانا ) على الزعامة.. وقد سبق للسيد أحمد نجيب الشابي وزعماء الديمقراطي التقدمي و»آفاق» أن أطلقوا مبادرة «الجمهوري».. وكان السيد محمد جغام الوزير السابق قد أسس بدوره قبل أيام مع مئات من المستقلين واليساريين السابقين و»الدستوريين النزهاء» حزبا وحّد أكثر من عشرة أحزاب شاركت في انتخابات 23 أكتوبر الماضي .. كما شكل السيد حمة الهمامي وبعض زعامات اليسار «جبهات شعبية» تقدمية.. وأسس أنصار التيار القومي العربي «جبهة للقوميين».. ويستعد آخرون لإطلاق مبادرات «توحيدية» جديدة.. كل «زعيم» سياسي يدعو الجميع إلى التوحد حول شخصه ومجموعته.. فكانت النتيجة تأسيس مزيد من «الجبهات» و»الائتلافات» و»التحالفات» بين الأضداد .. وكانت الحصيلة عدم بروز قوة سياسية قادرة على أن تقتحم «تونس الأعماق» وأن تتطور إلى طرف سياسي شعبي.. يتجاوز «صالونات النخبة».. مبادرة السيد الباجي قائد السبسي والفريق الملتف حوله يمكن أن تشكل القوة السياسية الرئيسية القادرة على منافسة حزب النهضة الإسلامي وحلفائه.. إذا توفرت عدة شروط: أوّلها احترام تعهدات السيد قائد السبسي في خطابه يوم السبت ومن بينها رفض خيار الإقصاء والاستئصال.. إلى جانب تمسكه بمبدإ التصالح مع الهوية العربية الإسلامية وقيم الحداثة في نفس الوقت.. الاعتزاز بالتراث والتطلع إلى المستقبل مع رؤية ترفض «العدمية».. وتتمسك بمكاسب تونس والتونسيين خلال العقود الستة الماضية.. من المهم أن تتزعم هذا الحزب» نداء تونس« شخصية في حجم السيد الباجي قائد السبسي رئيس الحكومة الانتقالية السابقة ووزير الخارجية والداخلية في عهد بورقيبة ثم رئيس البرلمان في بداية عهد بن علي.. وهي شخصية تعرضت إلى صعوبات ومضايقات حقيقية في العقد الماضي بسبب عدد من مواقفها الديمقراطية وانتقاداتها العلنية لكثير من مظاهر الفساد والاستبداد.. لكن من بين التحديات التي تواجه هذه المبادرة أن السبسي ونخبة صغيرة من أعضاده فقط يمكن أن يلعبوا دورا وطنيا توفيقيا.. بينما بعض المحسوبين على المبادرة قد يسيئون إليها.. وقد يساهمون في «تحجيمها» قبل أن تولد بصفة فعلية.. إن من مصلحة تونس وحزب النهضة والترويكا وحلفائها أن يدعموا تشكيل أقطاب سياسية جديدة تضمن للمنافسة والصراعات أن تجري بالطرق السلمية ضمن المؤسسات السياسية.. وليس عبر الأساليب العنيفة وصراعات «البلطجية» و»الميليشيات»..