ظاهرة الانفلات الأمني والاجتماعي التي طبعت «المشهد الوطني» على امتداد الأشهر القليلة الماضية متمظهرة في أشكال مختلفة من الفوضى والعصيان وحوادث العنف العشائري والتطاول على هيبة الدولة والاستهتار بالقوانين وعدم مراعاة المصلحة الوطنية... ربّما يجد لها المرء على الرغم من خطورتها وقبحها بعض التفسيرات ولا نقول المبرّرات التي قد تجعلها «مفهومة» ضمن السّياق الذي جاءت فيه... أما عندما تطال ظاهرة الانفلات المجال السياسي وتصبح مثلا عبارات التنابز بالالقاب والتشويه والتخوين وهتك الأعراض مسموحا بها ومتداولة في لغة الخطاب السياسي فهذا يعني أننا ازاء بوادر أزمة أخلاقية وسياسية مخجلة يجب التنبيه إليها وتطويقها لا فقط لأنها قد تهدد عملية الحوار الوطني ولكن أيضا لأنها تشوه في العمق صورة النخبة السياسية والفكرية لدى عموم التونسيين وتجعلها تفقد تأثيرها وتعجز بالتالي عن الاضطلاع بدورها التنويري بل والتربوي سياسيا واجتماعيا.. نقول هذا وفي البال كمّ هائل من الأمثلة التي تترجم وتعكس واقع الانفلات هذا... أمثلة يمكن للباحث ان يستقيها لا فقط مما يدوّنه بعض النشطاء «المجهولين» على «الفايس بوك» وإنما أيضا مما يجري أحيانا على ألسنة بعض رموز الساحة السياسية !!! إنّ خطابات التّخوين والتشويه والتجريح والتكفير تكاد للأسف تصبح هي الغالبة اليوم والأكثر حضورا في المشهد السياسي والاعلامي بل إن بعض الأطراف لم تعد تجد حرجا على ما يبدو في استخدامها في «حروبها» الكلامية مع خصومها السياسيين... وهذا لعمري منتهى الانحدار والاستهتار بأخلاقيات العمل السياسي ذاته. إنّ الاستنجاد بقاموس البذاءة واعتماد التشويه والتجريح والطعن والسخرية في حق الخصوم السياسيين لا يمثل بأي حال من الأحوال وسيلة لكسب «المعارك» السياسية أو لغزو قلب المواطن وكسب تعاطفه بل على العكس إنه يزيد في تعميق واقع القطيعة بين التونسيين ونخبهم السياسية والفكرية ويسيء لمشهد الحراك السياسي... لذلك يبقى مطلوبا وبالحاح من هذه النخب أن تقدم المثال في الالتزام بأخلاقيات العمل السياسي وأن تضع حدّا لهذا الانزلاق الأخلاقي المخجل.