«بين الصحافة والسياسة» واحد من أروع كتب الإعلامي والمثقف والسياسي المصري محمد حسنين هيكل.. مستشار الزعيم عبد الناصر ووزيره للإعلام ومدير دار الأهرام الحكومية.. هيكل قدم في كتابه على طريقته روايته لخلافاته والزعيم عبد الناصر مع الإعلاميين الكبيرين مصطفى وعلي أمين.. في مؤسستي دار الأهرام والأخبار.. ثم بعد اعتقال مصطفى أمين ومحاكمته بتهم «الخيانة».. قد تتفق مع روايات هيكل وقد تختلف معها.. خاصة عندما برر سجن الصحفي مصطفى أمين ب»وثائق أمن الدولة» التي مكنه منها رئيس الجمهورية وأعضاده.. رغم تبرؤ الأخوين أمين من تلك الاتهامات والوثائق ووصفهما لها ب»المفبركة».. وقد تختلف مع كتابات هيكل عندما يبرر كل سياسات الزعيم الراحل مكرسا مقولة العرب: «انصر أخاك ظالما أو مظلوما..». لكنك لا يمكن أن تقلل من قيمة كتاب «بين الصحافة والسياسة».. ولا من أهمية كل كتابات مؤلفه الإعلامي والمفكر العملاق هيكل.. ولا من ثراء مسيرته الطويلة في عالمي الإعلام والسياسة منذ 1942 إلى اليوم.. لاسيما منذ إصداره كتابه الأول عن إيران عام 1951ثم تحريره كتاب «فسلفة الثورة» عام 1953 باسم الرئيس عبد الناصر الذي أبعد الجنرال محمد نجيب قائد ثورة يوليو وبدأ مبكرا قمع معارضيه.. لا يمكنك إلا أن تقدر كتابات هيكل وأمثاله وأنت تنتقدهم.. لأنك تلمس في كتبهم عمقا معرفيا وعلميا وثقافة واسعة ونزاهة فكرية.. تذكر هذا الهرم المتواضع وأنت تتابع في تونس «فرعنة» كثير من المتطفلين على القلم والمصدح والكاميرا زمن الرداءة.. الذي أصبح فيه أميون وجهلة رصيدهم سلبي جدا في كل «بنوك الأخلاق والقيم».. يقضون المضاجع ويقرعون الآذان بخطبهم الساذجة.. ومقالات لا يمكن تصنيفها ضمن أي شكل من الأشكال الصحفية المهنية.. «ينظّرون» و»يتفلسفون» ولسان حالهم يقول: «اش يا ذبانة.. ما ثمة كان آنا».. إنهم قوم لا أخلاق ولا ميثاق لهم.. تصح عليهم مقولة: «الفرعنة والكفر».. ذاكرتهم ضعيفة.. ولا يعلمون أن «أرشيف» المعهد الوطني للتوثيق والمكتبة الوطنية ومخازن وزارات الثقافة والإعلام لم تحرق.. يتهجمون على الأشراف والنزهاء.. على الكبير والصغير.. على العالم والأميّ.. دون أيّ ضابط أخلاقي.. لا يميزون بين الأخضر واليابس.. بين حرية النقد و»أكل لحم» البشر.. بين حق الاختلاف وجرائم الكذب والغيبة والنميمة.. إن تدهور مستوى نسبة كبيرة من الكتابات الصحفية والبرامج الإذاعية والتلفزية ونشرات الصحافة الالكترونية و»الاجتماعية الفايسبوكية».. يفرض مجددا اعتماد خطة وطنية لرفع «الأمية الثقافية» وأخرى «للأمية السياسية».. لابدّ من وقفة نقد ذاتي يقوم بها الجميع.. فكفى خلطا بين الحريات والمشاركة في الحملات الدعائية الرخيصة التي ينظمها منذ مدة محترفو لعب خلط الأوراق و »ٍاضرب رأس برأس» و»فرق تسد».. على هؤلاء جميعا أن يقرؤوا كتاب «كليلة ودمنة».. وأن يتمعنوا جيدا في قصة الأسد «حاكم غابة الوحوش» مع الثيران.. التي نهش لحومها واحدا تلو الآخر.. لأنها تورطت في لعبة «التحالفات المشبوهة».. فكانت نهاية «الثور الأخير» حكمة خالدة نطق بها قبل أن يلتهمه «وحش الغابة» الذي سبق أن تحالف معه ضدّ أخيه وبني جلدته: «أكلت يوم أكل الثور الأبيض».. وقديما قال أجدادنا في تونس: «إذا تحب تولي شريف استنى حتى يموتوا كبار الحومة»..