(0 - تقييم القراء) إذا كانت عجائب الدنيا لا تتعدى السبع فإن الاعجوبة الثامنة عندي وفي نظري هي محمد حسنين هيكل! إنني أنظر أليه على هذا الاساس فهو أسطورة.. ولغز.. وأعجوبة.. بدليل أنه تدرج من القاع الى القمة.. وصنع من نفسه مؤسسة صحفية.. وكذلك سياسية.. واستطاع أن يصبح وهو العصامي التكوين من أغلى الصحفيين في العالم فكلماته يبيعها إلى صحف العالم بأثمان مدهشة لا يصدقها عقل.. وهو اليوم من أغنى الصحفيين في العالم ولكن ينبغي أن نعترف بأنه ينفق بسخاء على قلمه ومهنته فهو لا يتردد في دفع أي ثمن مقابل المعلومات المهمة.. ويخطئ من يظن أنه لولا علاقته القوية والفريدة من نوعها التي ربطته بعبد الناصر لما استطاع ان يصبح بهذه القيمة ويكون له هذا المجد ويحقق كل هذا النجاح.. إنه خطأ شائع يتبناه كل من يريد تبسيط الاشياء وتغييب الجهد والذكاء والعمل والمثابرة والاجتهاد ويريد أن يقنع نفسه بأن النجاح نصفه صدفة ونصفه الآخر ضربة حظ.. ولكن هيكل ليس كذلك على الاطلاق.. لقد انطلق من الصفر.. وتدرج في الصحافة من مخبر صغير.. الى صحفي.. الى مراسل حربي.. ثم الى رئيس تحرير وكاتب افتتاحيات وتحاليل ومقالات.. صحيح أنه لم يدرس في معهد الصحافة.. وصحيح كذلك أنه لا يحمل شهادة جامعية.. ولكنه تعلم الصحافة على أستاذ كبير وساحر ولامع وهو الاستاذ محمد التابعي الذي كوّن عدّة أجيال صحفية مصرية وفي مقدمتهم جميعا علي أمين ومصطفى أمين وأنيس منصور وإحسان عبد القدوس وغيرهم.. لقد وصفه أحدهم فقال: إنه الاعجاز الصحافي وهو رجل واحد اختلفت عليه الآراء ومن هنا تأتي قيمة الاستاذ هيكل.. فهو حالة فريدة في دنيا السياسة وبصمة وحيدة في عالم الصحافة.. وخلطة سحرية قديمة وعصرية عربية وافريقية وفرعونية.. إنه نسخة غير قابلة للتكرار او الحدوث كيميائيا في محيط الكلمة.. وقد لا يعرف الناس أن هيكل بدأ حياته المهنية كموظف صغير في جريدة اسمها «ايجيبشيان غازيت» كانت تصدر في القاهرة أوائل القرن الماضي باللغة الانڤليزية.. كان يجمع الاشتراكات.. والاعلانات.. ولكنه أظهر بعض الميل للصحافة فصار يكتب بعض الاخبار الصغيرة عن الحوادث والجرائم الى أن كان ذات يوم قام فيه بعمل صحفي ملفت للنظر فلقد استطاع ان يستجوب مائة بغي حول قرار الحكومة بإلغاء البغاء الرسمي.. كان هذا الريبورتاج أول خطوة على طريق النجاح.. فانطلق كالصاروخ الى ان عرض عليه محمد التابعي العمل معه في مجلة «آخر ساعة».. واستمر في العمل يحقق النجاح تلو النجاح الى أن تعرّف على عبد الناصر قبل أن يكون قائدا للثورة.. وقبل أن يتحول الى رئيس لمصر فازداد اسمه لمعانا وليكون المتحدث الرسمي باسم الضباط الأحرار.. ولعل نقطة القوة التي يجهلها البعض عن هيكل وهي التي جعلت الضباط الأحرار وفي مقدمتهم عبد الناصر نفسه يرتاحون إليه ويسمحون له بأن يصبح واحدا منهم وينضم الى مجموعتهم ويقترب منهم هو أنه كان بلا «لون سياسي».. ان التقارير المخابراتية قبل ثورة 23 يوليو كانت تقول عنه انه بلا «لون سياسي» فرغم انه اشتغل في صحيفة «الاجيبشيان غازيت» التي كانت على صلة بالمندوب السامي البريطاني في مصر.. وفي مجلة «آخر الساعة» ذات الاتجاه الوفدي المتشدد ثم في جريدة «أخبار اليوم» وهي جريدة القصر والمموّلة من طرف الملك فاروق شخصيا فإنه حافظ على «نقائه السياسي».. وتلك كانت واحدة من نقاط قوّته الكثيرة.. وورقة من أوراقه التي استطاع بواسطتها أن «يلعب» مع الكبار..