تونس الصباح علمت «الصباح» من مصادر عليمة أن مشروع القانون التوجيهي للتعليم العالي، سيتم النظر فيه صلب اللجنة البرلمانية المعنية بالتربية والتعليم العالي مساء اليوم.. وتعدّ هذه المرة الثانية التي يحال فيها المشروع على لجنة برلمانية بعد أن تم النظر فيه سابقا في هذا المستوى وإحالته على جلسة برلمانية لم يتحدد تاريخها بعد.. بعدوكان هذا المشروع، أثار انتقادات كثيرة من المجلس الاقتصادي والاجتماعي، ومن الجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي، التابعة لاتحاد الشغل، التي عقدت نهاية الأسبوع المنقضي ندوة صحفية شرحت فيها موقفها من هذا المشروع، وقدمت مقترحاتها لتعديل هذا النص.. ولم يسبق أن عرف مشروع قانون مثل هذا الجدل الذي أثاره مشروع القانون التوجيهي للتعليم العالي، حيث أدى الأمر إلى تنظيم يوم برلماني صلب التجمع الدستوري الديمقراطي، لمناقشة هذا الموضوع وتحديد موقف بشأنه قبل التئام الجلسة البرلمانية العامة.. وعلى عكس ما يتردد في بعض الأوساط النقابية، فإن المشروع لم يقع سحبه من البرلمان، وإنما تمت إحالته مجددا على اللجنة البرلمانية المعنية لمزيد مناقشته، وتعديل ما يمكن تعديله.. وعلمت «الصباح» من مصادر نقابية عليمة، أن الأمين العام لاتحاد الشغل، السيد عبد السلام جراد، كان أجرى العديد من الاتصالات مع أطراف حكومية، في مقدمتها الوزير الأول السيد محمد الغنوشي، بغاية إيجاد أرضية توافقية جديدة حول المشروع، يتم بموجبها تجنيب الأطراف النقابية والتعليمية والجامعية، بعض الثغرات التي يتضمنها المشروع، ويزيل بعض التخوفات التي تنتاب الجامعيين والمدرسين، جراء مضمونه المثير للجدل.. ويبدو من خلال بعض المعلومات المؤكدة، أن إعادة المشروع مجددا للجنة البرلمانية المختصة، يأتي في هذا السياق التوافقي بالذات... صالح عطية منزلة الجودة في مشروع قانون التعليم العالي ينظر مجلس النواب قريبا في مشروع القانون الجديد للتعليم العالي الذي جاء ليعوض القانون الحالي الصادر في 28 جويلية 1989. ويحدد القانون الجديد من جملة ما يحدد مهام الجامعات ومؤسسات التعليم العالي ويضع حجر الأساس لجودة التعليم العالي من خلال بعث الهيئة الوطنية لجودة التعليم العالي التي ستتولى التقييم الخارجي واعتماد مؤسسات التعليم العالي. إن دور الوزارة في دفع مشروع الجودة ووضع الحجر الأول لهذه المنظومة لمهم وأساسي. إذ يصعب على مؤسسات التعليم العالي أن تسعى لرفع مردوديتها من غير وجود خطة وطنية واحدة وأهداف عامة تحاول كل المؤسسات عل بلوغها وبذلك لا تحدد كل مؤسسة الأهداف العامة على حدة وتتشتت الجهود والموارد. إن أول تعريف لجودة مؤسسات التعليم العالي هو النجاح في تحقيق الأهداف العامة والخاصة. إن وجود هذه الأهداف أمر ضروري حتى في البلدان التي تتميز بوضع الإطار المرجعي بمؤسسات التعليم العالي مثل الولاياتالمتحدة أو بريطانيا. إن شروع الوزارة في وضع الإطار المرجعي لبعث الهيئة الوطنية للجودة وإدخال المفاهيم الأساسية مثل التقييم الداخلي والخارجي والاعتماد على مقاييس الجودة ومؤشراتها إلى قاموس الحياة الجامعية لأمر مهم لكل العاملين والمنتفعين من التعليم العالي بمختلف أصنافهم. ولعل من أهم فوائد القانون الجديد ضبط الصيغ النظرية والعملية بجودة التعليم العالي ونحن نعتقد أن من أهم المنافع بهذا التجديد أولا ضمان ديمومة الإصلاح واعتباره مسارا ثابتا لا يرتبط بالضرورة بأفراد أو جماعات مهما خلصت نواياهم. وثانيا التأكد من أن الجودة ليست هدفا يقصد منه محاكاة التجارب المتداولة في الخارج وإنما ترسيخ ذلك في الممارسات الأكاديمية والإدارية . يوفر القانون في هذه الحالة الإطار الملائم لكل المؤمنين بضرورة التقييم والتجديد للقيام بذلك من غير أن تحسب محاولاتهم على أنها مزايدات شخصية أو مهاترات فئة معينة من الأكاديميين أو الإداريين. كما توفر الجودة الآليات الضرورية لقيس مردودية مؤسسات التعليم العالي والارتقاء بأدائها. ولعل أكبر منفعة توفرها هذه الآليات أنها تؤسس للتغيير المستمر إلى ما أفضل الذي يجب أن يعود على كل المنتفعين بالخير. إن الناظر لمؤسسات التعليم العالي يلاحظ أن عددا من المديرين والعمداء ورؤساء الجامعات ورؤساء لجان الامتحانات والانتداب وغيرهم يبذلون جهدا كبيرا لتغيير الممارسات الإدارية أو البيداغوجية أو غيرها إلى ما أحسن وغالبا ما ينجحون في ذلك ولكن كثيرا ما تندثر هذه الممارسات أول ما يغادر هذا العميد أو المدير تلك الكلية أو المؤسسة ولا تتحول هذه الممارسات الناجحة لتقاليد ثابتة. من الأكيد أننا ونحن نواجه تحديات مجتمع المعرفة في أمس الحاجة لإطلاق مشروع جودة التعليم العالي بأسرع وقت ممكن ودعوة كل العاملين والمنتفعين إلى فهم كل أبعاد التعليم الجامعي وضرورة التجديد لمجابهة التغييرات الداخلية والخارجية لسوق الشغل. يصعب على أي كان أن يتجاهل الكلفة الحقيقية للتعليم العالي على الفرد وعلى المجموعة الوطنية وأن يقبل بأي شكل من أشكال هدر الطاقات والأموال في برامج ومشاريع لا تعود بالنفع على المجتمع. كما لا يمكن لأي كان أن يتجاهل الدور المناط بالتعليم العالي كرافد للتنمية. إن تطبيق مشروع الجودة ليس شأنا وزاريا بحتا بل برنامجا يعني كل الأطراف من إدارة وأساتذة وطلبة ومشغلين وقدامى الخريجين والمجموعة الوطنية ككل. لعل من سمات الجودة أنها تتطلب تضافر كل الجهود لإرساء ثقافتها. لا تستطيع الوزارة لوحدها أن تجود من مردودية المؤسسات الجامعية من غير أن تبادر وتقتنع هذه المؤسسات بضرورة كسب رهان الجودة. ولا تستطيع المؤسسات بدورها أن تحرز تقدما في مجال دعم الجودة من غير مساندة الوزارة. إذا يجب أن تكون الجودة تحديا مشتركا وهدفا واحدا لكل العاملين والمنتفعين. تختلف مؤسسات التعليم العالي عن غيرها من المؤسسات لخصوصية مدخلاتها وعملياتها ومخرجاتها. ونحن نعلم أن هذه المؤسسات تكون الرأسمال المعرفي الذي طالما راهنت عليه تونس منذ فجر الاستقلال. إن تكوين الرأسمال المعرفي لأمر متشعب ومتداخل. وتشير الدراسات لا يمكن الجزم أن الأساتذة وإن كان دورهم مهما فلا يمثلون المصدر الوحيد للمعرفة بل أن كل مظاهر الحياة الجامعية تؤثر في تكوين الرأسمال المعرفي. والمتفحص للواقع الجامعي سرعان ما يلاحظ أن الممارسات العديدة اليومية في كل مجال من مجالات الواقع الجامعي هي التي تؤثر في جودة المخرجات وهي أساسا جودة الرأسمال المعرفي لخريجي التعليم العالي. إن تجويد مردودية المؤسسات لا بد أن يمر بتجويد الممارسات سواء في التعليم والتعلم أو الإدارة أو البحث أو غيره. لقد أثبتت التجارب الجامعية الناجحة في العالم أهمية الرهان على التعليم العالي كرافد للتنمية بما يدعو إلى مزيد ربط التعليم العالي بحاجيات الاقتصاد والمجتمع ولعل أهم مدخل لذلك هو الارتقاء بجودة التعليم والتعلم وتحسين مواصفات الخريجين. لعل التحدي الحقيقي والعاجل هو أن تتضح الأدوار والمسؤوليات بين المؤسسات الجامعية وبين سلطة الإشراف في ما يتعلق بتجويد هذه الممارسات. إذا ما ظن العاملون والمنتفعون بأن تجويد هذه الممارسات أمر يؤول للوزارة شأنه شأن كل الأمور الأخرى فستبقى دار لقمان على حالها. وإذا ما تراءى للوزارة أنه من الطبيعي أن يجود هذه الممارسات القائمون بها تحت إشرافها التام وحسب أوامرها فستبقى كذلك دار لقمان على حالها. لا يمكننا أن نضع مشروع جودة التعليم العالي في مساره الصحيح من غير أن تكون لنا إجابة واضحة على السؤال التالي وهو ما الذي يشجع المؤسسات والأفراد على مزيد البذل وحسن الأداء؟ من المؤكد أن جودة التعليم العالي بحاجة لقانون يعطيها إشارة الانطلاق واعتبارا إلى أن البدايات العملية هي من أصعب مراحل التنفيذ فالأمل معقود على تضافر جهود كل الأطراف المعنية لتحقيق انتظارات المجتمع في تجويد مردودية مؤسساتنا الجامعية لتحقيق انتظارات المجتمع . (*) كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية/ 9 أفريل - تونس عضو الهيئة العالمية للجودة في التعليم العالي