قرار الحكومة التونسية تسليم البغدادي المحمودي آخر رئيس وزراء في نظام العقيد القذافي إلى السلطات الليبية يبدو سياسيا وحقوقيا أجلّ وأخطر من أن تقع مقاربته إعلاميا بذلك الأسلوب السياسوي الفلكلوري الذي يحاول «اللعب» على عناوين الاثارة والايقاع بين مؤسستي رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة وتقديمهما في صورة أن احداهما «محتقرة» للأخرى!!! نقول هذا لا فقط لأن الحكومة وبمقتضى ما ينصّ عليه «الدستور الصغير» (التنظيم المؤقت للسلطات العمومية) وكذلك بفعل تعطيل العمل بدستور 1959 لاتبدو أنها قد تجاوزت صلاحياتها عندما أقدمت على تسليم البغدادي المحمودي وإنما أيضا لأن قرار تسليم أي لاجئ سياسي في المطلق استجار بحمى دولة وشعب إلى سلطات دولته التي تطلبه مع ما يمكن أن يترتب على عملية التسليم من مخاطر على حياته أو حرمته الجسدية لا يعد أمرا هينا على الأقل من حيث المبدأ حتى ولو توفرت المبررات أو الضمانات المسوغة لتسليمه.. فالبغدادي المحمودي المطلوب للقضاء الليبي بتهم تتعلّق بالفساد المالي في عهد حكم القذافي وبالتحريض على اغتصاب نساء ليبيات خلال ثورة 17 فبراير التي أطاح من خلالها الشعب الليبي بنظام القذافي الدموي والمتخلف يبقى بالمنطق الحقوقي في حكم اللاجئ السياسي حتى ولو لم يتم رسميا منحه هذه الصفة.. وكان يجب أن يكون لدى الحكومة التونسية حرص أكبر على الأقل من منطلق أخلاقي وانساني على عدم التسرّع في اتخاذ قرار تسليمه إن لم يكن لاعتبارات تتعلق بمدى توفر الضمانات القانونية لكي يحظى بمحاكمة عادلة من بلده فعلى الاقل للاعتبارات الصحية الخاصة بالرجل (مريض ويتنقل على كرسي متحرك). بقي أنه لابد من القول أيضا أن «ملف» البغدادي المحمودي قد استكمل شكليا على الأقل كل الوثائق والاسانيد القانونية المطلوبة التي تخول تسليم صاحبه لسلطات بلاده.. فالحكومة التونسية كانت قد أعلنت منذ ماي الماضي على لسان وزير العدل انها اتخذت قرار التسليم.. بدورها السلطات الليبية التي تعهدت بتوفر محاكمة عادلة للمحمودي سبق لها أن تقدمت رسميا بطلبين لتسليمها الرجل لاحالته على القضاء الليبي.. هذا فضلا عن أن القضاء التونسي قد أصدر بتاريخ 8 و25 نوفمبر الماضي حكمين منفصلين يقضيان بتسليم الرجل لسلطات بلاده.. ولكن،،، هل هذا يعني أنه بإمكان الحكومة التونسية أن تشعر برضى الضمير وهي تقدم على تسليم البغدادي المحمودي؟ الجواب... لا طبعا خاصة إذا ما وقع لاحقا الحكم عليه بالإعدام.. عندها سيستحضر بالتأكيد بعض رموز هذه الحكومة سواءكانوا من الحقوقيين أو المتدينين قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم».