هل مثل صدور لائحة اللوم لسحب الثقة من الحكومة عن 76 نائبا للمجلس التأسيسي ناقوس الإنذار لحكومة الجبالي؟ أم أن اللائحة كانت أحد تجليات الأزمة السياسية بين رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية من جهة والمعارضة من جهة أخرى وقد بدأت تداعياتها تطفو على السطح؟ و كيف ستتعامل كل من المعارضة و »الترويكا» مع هذه التطوّرات التي لم تدرج في رسم خارطة الطريق المعلنة للإستحقاق الإنتخابي القادم؟ و ماذا لو بقي الوضع على حاله بين رئاسة الجمهوريّة و رئاسة الحكومة.. ألا يمكن أن يتحوّل إلى تهديد مباشر لمسار الإنتقال الديمقراطي للثورة التونسيّة؟؟ تهديد المنظومة السّياسيّة و في قراءة سياسية للأحداث الأخيرة بين المحلّل السّياسي صلاح الدين الجورشي ان صدور لائحة اللوم عن 76 نائبا من المجلس التأسيسي «تعكس في حقيقة الأمر تعمق الازمة بين الحكومة من جهة وقطاع متزايد من أعضاء المجلس التأسيسي خاصة وقد توالت التوترات والتجاذبات بين الحكومة من جهة وبين هؤلاء النواب وهي اذ تؤشر على تأزم هذه العلاقة إلا أنها تكشف في الآن نفسه عن ضرورة أخذ الحكومة بعين الاعتبار هذه الاحتجاجات المتزايدة التي تغذيها عدة اعتبارات حزبية وربما سياسية وايديولوجية.. وحذر الجورشي من «تطور ذلك في لحظة من اللحظات الى أزمة تهدد المنظومة السياسية ككل لأن هذا التلويح المتكرر بسحب الثقة من الحكومة يخشى أن ينتهي الى أزمة مؤسساتية تزيد من التشويش على خارطة الطريق التي يطالب بها الكثيرون لانهاء مرحلة الانتقال بأقل ما يمكن من الكلفة وفي أقصر وقت ممكن.» وأضاف:» ما يؤكد الاحتمال المتعلق بما تم الإشارة إليه من أزمة مؤسسة محتملة هو أن مصدر الأزمة الحالية لا يعود إلى المعارضة أو إلى جزء من المجلس الوطني التأسيسي وإنما هو نتيجة أزمة ولدت في رحم «الترويكا» ونقلها رئيس الجمهورية الى المجلس التأسيسي ليتلقّفها معارضو الحكومة ويجعلوها محاولة جديدة لسحب الثقة من الحكومة أي المشكل أخذ جانبا كبيرا من التعقيد ليتجاوز المواجهة بين المعارضة والسلطة ويتحول الى أزمة داخل السلطة نفسها وهذا مؤشر خطير يجب أخذه بعين الاعتبار.» ورأى المحلل السياسي :» نحن بعيدون عن مستوى سحب الثقة من الحكومة لكن ذلك لا يمنع أن الانطباع السائد لدى الرأي العام هو انطباع سلبي زاد من شكوك المواطنين والرأي العام الخارجي حول مدى قدرة الائتلاف الحاكم على التماسك وبالتالي فالمطلوب هو اعادة الاعتبار لوحدة «الترويكا» واعادة بناء الثقة بين مكوناتها خاصة وقد لوحظ مساندة المجلس التأسيسي ووقوفه الى جانب رئيس الحكومة وهو ما جعل رئيس الجمهورية في موقع ضعف نسبيا رغم احتجاجه الشديد على تهميشه عند اتخاذ قرار تسليم البغدادي.» واعتبر أن ما حصل «زاد تشويش صورة تونس في الخارج وهي مسالة لابد من أخذها بعين الاعتبار من قبل «الترويكا» لان الرصيد الذي كسبته البلاد منذ الثورة الى الآن هو صورتها الرائعة التي نحتها الشباب التونسي بمبادئهم خلال المواجهة مع نظام بن علي وزادتها تألقا الانتقال السلمي للسلطة بعد تنظيم انتخابات نزيهة ديمقراطية أشاد بها العالم..هذه الصورة قد بدأ تتأثر تدريجيا نتيجة عوامل متعددة آخرها هذا الخلاف بين مكونات الائتلاف الحاكم.» نواب الشعب يتفاعلون.. ذكرت النائبة عن حزب المؤتمر من أجل الجمهورية سامية عبو أن «الأزمة السياسية مفتعلة.. وأن النواب قد تعسفوا في استعمال الحق في تقديم لائحة لوم للحكومة في سحب الثقة فقضية البغدادي المحمودي مسألة على أهميتها لا تعد سببا لحل الحكومة واعادة تركيب حكومة جديدة والعودة بالتونسيين الى الخلف لخمسة أو ستة أشهر.» ورأت أن «لائحة اللوم موجودة قبل وجود السبب أصلا.. فكل مرة يسعى نواب الى صياغتها وأول أمس تم استغلال حالة الغيض السياسي لدى عدد لا بأس به من النواب شمل حتى نواب من «الترويكا» لتحقيق هذا المبتغى.. فقيادي بأحد الأحزاب صرّح قبل موعد الجلسة عن «لائحة لوم»..» وأضافت عبو في نفس السياق :» يجدر الاشارة الى أن المحافظة على الاستقرار تتطلب عدم اعتماد أي حدث لتبرير اصدار لائحة لوم.. وكنت أفضل أن نحافظ على ورقة الضغط..من أجل دفع ملف شهداء وجرحى الثورة أو المحاكمات العسكرية أو ملفات الفساد.. مسائل متعلقة بصميم الثورة.. علما ان كل الحكومات تخطئ وتصيب ومنصب النائب لا يجب استغلاله لأغراض شخصية..» وكان من الأجدر أن يتقيد النواب بجدول أعمال الجلسة العامة المقرر سلفا ويقع المحافظة على هيبة المجلس ولا يعتمد النواب مثل تلك الشعبوية والفوضى العارمة في التعبير عن مواقفهم ولا مبرر لتقديم صورة سيئة أو بعث رسائل سلبية للمواطن التونسي..» رسالة قوية اللهجة ومن ناحيته قال محمد حامدي رئيس الكتلة الديمقراطية في «التأسيسي» أن بعد معاينة المعارضة للخلاف والتنازع على الاختصاصات بين رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية وتسجيلها للتجاوز الذي قامت به رئاسة الحكومة.. ارتأينا توجيه رسالة قوية اللهجة.. وهذا الأمر لم ينحصر على المعارضة فقط .. حيث كان هناك نواب من الائتلاف الحاكم تبنوا نفس الرسالة ونفس الموقف. فيما يخص تراجع كتلة الوفاء عن موقفها قال الحامدي :» عبرت كتلة الوفاء عن دعمها لقرار لائحة اللوم رغم ترددها في البداية.. ونرى ان مطالبتهم باعتذار رسمي من الحكومة يعد في كل الحالات محافظة على نفس التوصيف السياسي للمسألة واعتبار ما قامت به الحكومة يستوجب الاعتذار.» وأضاف:» نحن ماضون في موقفنا ونرى للأسف بعد اجتماع الائتلاف الحاكم مساء أمس محاولة لإصلاح الخطأ بالترضيات فإرسال رئاسة الحكومة طلب اقالة محافظ البنك المركزي للمجلس التأسيسي وكأنه محاولة لارضائها إذ نعلم جميعنا ان اقالة محافظ البنك المركزي كانت من المطالب التي اصرت عليه رئاسة الجمهورية ووقع تأجيل البت فيها..وفي هذا الإطار نرجو كمعارضة عدم الدخول في معالجة السياسة بالترضيات. وبين رئيس الكتلة الديمقراطية:» لدينا خشية من هذا السلوك المرتجل للائتلاف الحاكم وخوف على حسن سير المؤسسات وخارطة الطريق المرسومة لموعد الانتخابات القادمة ومن موقعنا كمعارضة نحن نراقب ونحاول أن نتدخل بطريقة فعالة.. لا نريد اثارة الفزع لدى المواطنين لكن لدينا مخاوف جدية لا نريد اثارتها حول آداء الائتلاف الحاكم..» حلول توافقيّة؟ من جانبه قال النائب عن حركة النهضة الحبيب خضر «سنتعامل داخل المجلس التأسيسي مع الجانب القانوني طبقا لما يقرره القانون ولائحة اللوم سنتعامل معها وفقا للاجراءات المعلنة في القانون.. أما الجانب السياسي فنعتبر أن الوضعية ليست بالحدة التي تصور ونظل منفتحين على كل الخيارات التي تهم مصلحة البلاد.. ونعتبر أن تماسك الائتلاف مهم لاستقرار البلاد..» أما عن فرضية السعي الى ايجاد حلول توافقية تقارب وجهات النظر قبل موعد الجلسة العامة القادمة ذكر خضر :» الجوانب السياسية ينظر فيها بين القيادات الحزبية ولعل بعض الاجتماعات تنظم في هذا الصدد».