"رفعت مختلف مكوّنات المجتمع المدني منذ شهر أفريل الفارط توصيات إلى وزارة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية أكدت فيها ضرورة إحداث هيئة مستقلة تتولى الإشراف على مختلف مراحل مسار العدالة الانتقالية هذا ما أكدته سهام بن سدرين رئيسة مركز تونس للعدالة الانتقالية خلال ندوة نظمها السبت الماضي بمدينة سوسة حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات حول :العدالة الإنتقاليّة بين المحاسبة و المصالحة". و ردّ في هذه التّوصيات أيضا ضرورة أن ترفع الحكومة المؤقتة يدها عن هذا الملف والاستئناس بتجارب دولية ناجحة في مجال العدالة الانتقالية فضلا عن محاسبة الفاسدين والتعويض لجرحى الثورة والمناضلين المضطهدين خلال حقبة النظام السابق. أين القضاء؟ هذه المحاسبة التي تسبقها بالضرورة معرفة الحقيقة والإطلاع على مجريات الأحداث التي عرفتها البلاد خاصة في المرحلة الفاصلة بين 17 ديسمبر 2010 و14 جانفي 2011، لم تر النور كما أشار إلى ذلك العديد من الحقوقيين وتصريحات عدد من الفاعلين السياسيين وممثلين عن المجتمع المدني، آخرها جاءت على لسان الحقوقي عبد الرؤوف العيادي عضو المجلس الوطني التأسيسي ورئيس كتلة الوفاء خلال الجلسة العامة الاستثنائية التي انعقدت يوم الجمعة الفارط بمقر المجلس على خلفية تسليم البغدادي المحمودي حيث تساءل العيادي "أين هو القضاء ؟ و ماهو مستوى أدائه سواء كان مدنيّا أو عسكريّا؟" طارحا أثناء تدخله قضية إنصاف عائلات الشهداء والجرحى، فأكثر من 90 بالمائة من الشهداء لا نعلم إلى اليوم من قتلهم، ثم أين هو أرشيف البوليس السياسي لمعرفة الحقيقة؟ و غيرها من الإشكاليّات. أمّا بالنّسبة للمؤسّسة القضائيّة، "لا بدّأن نشخّص الواقع تشخيصا صحيحا حتى لا تُبنى المواقف على معطيات غير دقيقة ومعطيات قد تُؤدي إلى قرارات مرفوضة ومبنية على الخطإ على حد تعبير العيادي. بسط المسار هذه التصريحات وغيرها، إلى جانب ما يسود جلسات التحقيق ومختلف المحاكمات حول قضية شهداء وجرحى الثورة من تجاذبات تؤجج من حين إلى آخر الشارع التونسي وتقلق في أحيان أخرى الأطراف المتدخلة والمشاركة والراغبة في بسط مسار حقيقي للعدالة الانتقالية وفقا للمعايير الدولية دون مماطلة وتمطيط لمراحلها وهي عناصر تتهم الحكومة المؤقتة وفي مقدمتها وزارة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية بتفعيلها على أرض الواقع. إلا أنه في المقابل أكدت الحكومة وخاصة وزارة الإشراف في كثير من المناسبات أن وزارة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية طرف في هذا المسار وعنصر مساهم بطريقة تشاركية مع مختلف مكونات المجتمع المدني لتحقيق الأهداف المرجوة بتشريك جميع الأطراف الفاعلة في هذا المجال حوار وطني وهو ما انطلقت في تجسيده بعد سلسلة من الحوارات والجلسات نظمتها الوزارة مع ممثلي المنظمات والجمعيات إلى جانب الأحزاب وشخصيات وطنية من بينها الباجي قائد السبسي رئيس الحكومة السابق، أفرزت عن تكوين لجنة فنية وطنية للإشراف على برنامج الحوار الوطني حول العدالة الانتقالية بدأت معالمها بإحداث لجان جهوية متكونة من أكاديميين، وقضاة، ومحامين، وعدول إشهاد، وعدول تنفيذ، وأخصائيين في علم الاجتماع، وأخصائيين في علم النفس، وأطباء، وأخصائيين في التاريخ الحديث، وممثلين عن الضحايا أو الضحايا أنفسهم، وصحافة وإعلام ورجال تعليم، من المنتظر أن تبسط توصياتها في حوار وطني شامل يجمع كل المشاركين في أعمال اللجان الجهوية حول العدالة الانتقالية، والذي من المنتظر أن ينتظم في شهر نوفمبر المقبل. هذا الحوار الوطني من المنتظر أن يكون الانطلاقة الحقيقية لمسار العدالة الانتقالية الذي سترفع توصياته إلى المجلس الوطني التأسيسي ومناقشتها ومن ثمة إصدار القانون الأساسي للعدالة الانتقالية. جملة هذه المراحل أثارت حفيظة العديد من الحقوقيين والسياسيين وأيضا المضطهدين والمنتهكة حقوقهم معتبرين هذه الخطوات مماطلة وتمطيطا للأحداث والوقائع وهي محاولات مقصودة لطي العديد من ملفات الفساد وطمس الحقائق وإخفاء الأدلة والبراهين. معرفة الحقيقة هذا القول يعارضه آخرون بحجة أن مسار العدالة الانتقالية مسار معقد يستوجب تشريك أطراف متعددة وفتح المجال لتوسيع المشاركة بما في ذلك مشاركة الجهات لمعرفة الحقيقة وتمكين الناس من المشاركة في بسط الحقائق والإدلاء بشهاداتهم. وهو ما ارتأت الأطراف المُتشاور معها من ممثلي مجتمع مدني وأحزاب وشخصيات وطنية التوجه نحو تحقيقه، فأفرزت بالتالي تكوين اللجنة الفنية الوطنية المشرفة على الحوار الوطني للعدالة الانتقالية التي انقسم أعضاؤها إلى ستة فرق عمل مقسمة حسب الأقاليم. وبخصوص عملية تدريب المشرفين على الحوار الوطني حول العدالة الانتقالية الخاصة بكافة الجهات والأقاليم فسيقع تنظيم ثلاث دورات تدريبية انطلقت منذ يوم 28 جوان الفارط وتنتهي يوم 12 جويلية الجاري وسيقع من خلالها التعريف بالمكوّنات الأساسية للعدالة الانتقالية بمحاورها الخمسة وهي كشف الحقيقة، وحفظ الذاكرة، وجبر الضرر المادي والمعنوي، ورد الاعتبار للضحايا، والتصدي لثقافة الإفلات من العقاب، وتكريس ثقافة المحاسبة وعلوية القانون، وضمانات عدم العود وإصلاح المؤسسات والمصالحة إلى جانب التدرب على مهارات التواصل وإدارة الحوار.