كان اليوم الدراسي الذي انتظم يوم أمس بالتعاون بين المؤسسة الدولية للنظم الانتخابية ودائرة المحاسبات بمساهمة الاتحاد الأوروبي وبرنامج الأممالمتحدة للتنمية والذي وضع تحت عنوان «الوضع الحالي وتأملات المستقبل» مناسبة لتقييم انتخابات المجلس التأسيسي خصوصا من حيث آليات التمويل والرقابة المالية ومدى التزام جميع الأطراف بالضوابط القانونية والاخلاقية وذلك لتشخيص النقائص ولمزيد إحكام العملية في المحطات الانتخابية القادمة التي لم تعد تفصلنا عنها سوى أشهر قليلة. وفي الواقع فإن التقييم يجب ان يشمل «الوجه السياسي» إن صح التعبير - للعملية فقد تميزت العملية الانتخابية الماضية بكثرة الاحزاب التي تجاوزت المائة وخمسة عشر حزبا وهو ما أربك الناخبين وشوش المشهد السياسي تشويشا لا يصدق.
وكان من المتوقع إثر الاخفاق الفظيع للقسم الكبير منها أن يختفي ويتلاشى عدد كبير جدا من الاحزاب الصغيرة مما سيسمح برؤية أوضح في الانتخابات الموالية.
ولكن رغم الجبهات والتحالفات فإن المشهد لم يعرف تغييرات جوهرية بل لقد رأى حوالي ثلاثين حزبا جديدا النور بعد الانتخابات، حتى ان الأحزاب المرخص لها تبلغ اليوم في بلادنا 145 حزبا اي ان ظاهرة «الأحزاب الحوانيت». ستلخبط مجددا المشهد الانتخابي القادم وسنعرف مرة أخرى الفوضى العارمة وهو وضع غير سليم بالمرة بالنسبة لديمقراطية حديثة تتحسس خطواتها الأولى.. إنه يتعين على المجلس التاسيسي ومكونات المجتمع المدني والحقوقيين الانكباب على التفكير في مقترحات عملية وجدية من اجل الخروج من هذه الوضعية التي لا تثري المشهد السياسي بل تحوله إلى ما يشبه الملهاة المهزلة ولا تساهم قيد أنملة في بناء الديمقراطية الحقيقية بل على العكس من ذلك تؤدي الى تهرئة صورتها.
إن الخطوة الاولى تمر حتما عبر وضع شروط صارمة للحصول على التمويل العمومي للحملات الانتخابية للأحزاب واشتراط ضمانات تؤمن استرجاعه عند اللزوم وايضا وضع اليات للتثبت من حد ادنى من التمثيلية كاشتراط سقف من المنخرطين عند المنطلق للحصول على الحق في التمويل العمومي فليس من المبالغة او التجني في شيء وصف ما حدث في الانتخابات الماضية بتبذير غير مبرر للمال العام اي مال دافعي الضرائب لا يجب ان يتكرر في الانتخابات القادمة.