عندما تكون لدينا على الساحة الوطنية أحزاب سياسية قوية تنظيميا وذات قدرة على التعبئة والتأطير وتقديم البدائل فهذا يعد بالتأكيد معطى جيدا لأن فيه اثراء للحراك السياسي وللتجربة الديمقراطية ولمسار بناء الدولة المدنية التعددية التي بشّرت بها ثورة 14 جانفي 2011 التاريخية... وإذا كانت فعاليات اليوم الأول من المؤتمر التاسع لحزب حركة «النهضة» قد أبانت أو ربما أكدت أن هذا الحزب قد أضحى يمتلك من الامكانيات المادية والبشرية ما يؤهله لأن يوصف بأنه حزب «قوي» فإن هذا الأمر على أهميته وإيجابياته قد يكون يستبطن بالمقابل بعض المحاذير التي قد تكون لها في المستقبل انعكاساتها السلبية على المشهد السياسي الوطني.. فيصبح هناك خوف مثلا من أن تتحول حركة «النهضة» من حزب «قوي» الى حزب «متغوّل» على الدولة والمجتمع.. وما من شك أن تخوفا من هذا القبيل يبدو مفهوما وله مبرراته لا فقط من حيث أن كل حزب سياسي في المطلق لا يريد عادة أن يجعل لطموحاته في الانتشار والهيمنة حدا أو سقفا وإنما أيضا من حيث أن أداء حزب حركة «النهضة» الحاكم على امتداد الأشهر الستة الماضية وأسلوب ادارته للشأن السياسي العام بمعية شريكيه في «الترويكا» يشي بأن هناك نزعة نحو «التغوّل» بل وربما رغبة في «إعادة انتاج نظام الحزب الحاكم المهيمن» كما يقول بعض خصومها السياسيين.. طبعا،،، نحن لا نريد أن نفسد على قواعد وأنصار حركة «النهضة» فرحتهم بانعقاد أول مؤتمر علني لحزبهم داخل تونس.. كما أننا لا نريد أن نصادر حق هذا الحزب الذي ناضل ونال ثقة الناخبين في أن يكون «قويا» وفاعلا ومؤثرا في تحديد ملامح النظام السياسي لتونسالجديدة.. ولكننا نريد أن نؤكد على ضرورة أن يكون هناك اجماع وطني على أولوية تقديم المصلحة الوطنية العليا على المصلحة الحزبية الضيقة.. والمصلحة الوطنية العليا تقتضي أن يكون هناك توافق في إدارة الشأن السياسي خاصة في هذه المرحلة التأسيسية من مسار بناء الدولة الجديدة، دولة الحريات والقانون والمؤسسات وألا تكون هناك أية رغبة من أي طرف في استغلال «الظرف» أو «الحالة» من أجل تحقيق مكاسب حزبية ضيقة.. إن الديمقراطيات المؤصلة والثابتة هي تلك التي أسست على مبدإ: حزب قوي في السلطة وأحزاب قوية في المعارضة وليست تلك التي أقيمت على «منطق» حزب حاكم متغوّل... وما من شك أن ديمقراطيتنا التونسية الناشئة تبقى في حاجة الى أحزاب سياسية قوية وليس الى أحزاب متغوّلة مهما كانت طبيعتها وتوجهاتها.