وضع بيئي كارثي.. المزابل في كل مكان.. الناموس هو سيد هذا الصيف دون منازع .. نيابات خصوصية في وضع غير قانوني والتجاذبات السياسية العنصر المسيطر على جل البلديات... هكذا يمكن تلخيص الوضع البلدي اليوم في تونس بصفة عامة حيث تعددت الاخلالات واشتكى المواطن ووجدت البلديات نفسها عاجزة على القيام بدورها لعدة اسباب ليزداد الوضع تدهورا لحد اصبح البعض يحذر من كارثة بيئية. حول هذه الاوضاع بصفة عامة والوضع في بلدية تونس بصفة خاصة، كان ل"الصباح" هذا اللقاء مع السيد سيف الله الأصرم رئيس النيابة الخصوصية لبلدية تونس. تشهد جل مناطق البلاد في المدة الاخيرة تدهورا كبيرا في الوضع البيئي حيث انتشرت اكوام القمامة في كل مكان وانبعثت الروائح الكريهة ووجدت الحيوانات السائبة والحشرات ضالتها في هذه المزابل.. فأين البلدية من كل هذا؟ - فيما يخص الوضع البيئي العام أو الخاص ببلدية تونس فان التدهور البيئي الذي تحدثت عنه لا يمكن نفيه. ويمكن التساؤل لماذا وصلنا الى هذه الحال والجواب هو تراكم الفضلات التي تنقسم الى نوعين: فضلات منزلية وفضلات البناء بصفة غير معهودة. والسبب في هذا التراكم هو ان المعدات المتوفرة حاليا وعدد الاعوان لا يمكّن من مجابهة هذا الوضع الا في حدود 80 % فقط. فبلدية تونس مثلا لم تشهد تطورا في المعدات البلدية مقابل تطور عدد السكان. ثم جاءت فترة ما بعد الثورة التي عرفت حرق واتلاف عدد لا يستهان به من المعدات والمستودعات البلدية بما فيها من آلات وقطع غيار ولا يمكن في فترة وجيزة تعويضها. وكانت بلدية تونس وضعت على ذمة المواطن 3 الاف حاوية أتت عليها النيران والتخريب بالكامل ولم نستطع في سنة 2011 سوى تعويض 500 حاوية وفي سنة 2012 سنصل الى ألف حاوية أخرى. ومسالة الحاويات هامة جدا للمحافظة على البيئة، فعندما لا يجد المواطن حاوية قريبة منه بالطبع سيضطر الى وضع فضلاته المنزلية على قارعة الطريق ليتحول المكان الى مصب عشوائي زد على ذلك ان الفضلات عرضة للانتشار وهو ما ينجر عنه صعوبة في عملية رفعها. كذلك كانت بلدية تونس تعمل سنتي 2005 و2010- بحواي 70 آلة ضاغطة واليوم وفي سنة 2012 نعمل ب 35 آلة فقط . أما على مستوى الأعوان فمقارنة بسنة 2010 سجلت البلدية نقصا ب 200 عون. زد على ذلك ان البلدية تعاني من ظاهرة جديدة بعد ترسيم الاعوان العرضيين، فهؤلاء كانوا يعملون 5 أيام في الأسبوع مقابل أجر يومي اصبحوا يعملون مقابل اجر شهري ويوم عطلة اسبوعية والحق في العطلة السنوية زيادة على تكاثر أيام الغياب بسبب المرض. وهذا كله نتج عنه بالأرقام الى حد شهر جوان 2012 اكثر من 1402 يوم عطلة مرضية مقابل 379 يوما سنة 2011 و156 يوما سنة 2010 تضاف لها العطل السنوية وهو ما ينتج عنه نقص في عدد الأعوان المتواجدين يوميا على الميدان. لكن كل هذا لا يبرر تحول اغلب ساحات تونس الى مصب للفضلات وما ينتج عن ذلك من تأثيرات بيئية وصحية؟ - بالنسبة لبلدية تونس مثلا تتولى يوميا رفع 600 طن من الفضلات في الظروف العادية اضافة الى الحملات الاستثنائية. وال 600 طن تمثل تقريبا 80 % من الكميات المتواجدة اي أننا نعجز فقط عن رفع 20 % من الفضلات بسبب الظروف التي تحدثنا عنها. المشكل الثاني الذي زان الطين بلة وحدّ من قدرات البلدية هو تراكم فضلات البناء. فمنذ سنة 2011 تدهور الوضع في المنطقة البلدية نتيجة العدد المهول من البناءات غير المرخص فيها والقاء فضلات البناء في الامكنة الشاغرة البعيدة عن الرقابة. ونسجل يوميا اطنانا من فضلات البناء التي يلزمها كذلك عناية خاصة وتجهيزات غير متوفرة بالعدد المطلوب. ومما زاد الطين بلة انه والى حدود سنة 2011 كان مصب البحيرة ملاذا لكن هذا المصب بلغ طاقة استيعابه وتم غلقه من طرف شركة البحيرة وهو ما تسبب في اشكال ليبقى اقرب مصب هو سيدي حسين وما يتطلب ذلك من مجهود اضافي ووقت اضافي. لكن أين الحكومة من كل هذا أليس من واجبها توفير الامكانيات والتمويلات اللازمة والمساعدة حتى عبر الاتفاقيات على الحد من ظاهرة التلوث البيئي؟ - لقد تحصلنا على دعم من الصندوق الكويتي للتنمية حيث تم تخصيص ميزانية لوزارة الداخلية لاقتناء معدات لتعويض ما تم اتلافه أو جزء منه. وتقدمنا بطلب عروض للغرض. لكن الحقيقة تقال ان ذلك لن يحل المشكل بل ستساهم فقط في التخفيف منه. الاشكالية ان المصبات لم تعد تقتصر على مناطق بعينها بل ان بعض رموز المدينة وبعض المناطق الحساسة والخضراء تحولت بدورها الى نقط سوداء على غرار ما رأيناه مؤخرا من صور تخص باب سعدون ذلك المعلم التاريخي الذي تحول فجأة الى مصب للفضلات؟ - الحديث عن باب سعدون يجرنا الى التهويل حيث ان الصور التي انتشرت مؤخرا في المواقع الاجتماعية ليست حديثة بل تعود الى وقت الثورة وزمن الاضرابات عندما تعطلت جميع المصالح. لا ننكر وجود مناطق سوداء نحاول على الاقل القضاء عليها ليبقى التحكم في بعض المناطق دون ان تتسع الرقعة. تحدثنا عن التجهيزات والاعوان والجانب اللوجستي، لكن لا ننسى ان للجانب السياسي كذلك دور في ما آل اليه الوضع. فالنيابات الخصوصية باتت محور تجاذبات سياسية أثرت على العمل البلدي وبالتالي تسببت في شبه شلل لبعض المصالح. مثال ذلك أنكم اليوم ومنذ 8 جويلية في وضع غير قانوني بعد انتهاء فترة التمديد لكم. صحيح فمنذ 8 جويلية انتهى مفعول الامر الذي يعطي صلاحية للنيابة الخصوصية وبالتالي فإننا نعيش اليوم فراغا قانونيا على هذا المستوى. لكن رغم ذلك فإننا نواصل التواجد ونواصل العمل ورفضنا سياسة المقعد الشاغر.. لكننا نعمل في حدود ما يمكننا التعامل به. فرئيس النيابة الخصوصية التي انتهى التمديد لها لا يمكنه اليوم التوقيع على الاتفاقيات وعلى أذونات الصرف وعلى جمع مجلس النيابة واتخاذ القرار في لجنة الصفقات والبت في طلبات العروض باعتباره يعيش الفراغ القانوني. بخصوص التجاذبات السياسية لم نسجل طيلة فترة عملنا اي تجاذبات، لكن اليوم وحسب ما يقال وما يشاع فان التجاذبات موجودة خارج المجلس البلدي وتكمن في التجاذب حول التمديد لهذا المجلس من عدمه او تطعيمه او تعويضه بالكامل وفق نظام المحاصصة الحزبية الموجودة في المجلس التأسيسي. وما ذنب المواطن في هذه التجاذبات السياسية.. فالمواطن همه الوحيد النظافة والبيئة السليمة وقيام البلدية بدورها ولا يهمه من يتراس المجلس البلدي والتقسيمات الحزبية صلبه؟ - تبقى تركيبة المجلس البلدي خاضعة بالتأكيد الى الحسابات السياسية.. لكن البلدية ليست مجلسا بلديا فحسب بل تنقسم الى سلطة اشراف وادارة بلدية. فالإدارة تواصل عملها العادي دون الالتفات الى ما يحصل خارجها. لكن هذه الادارة تتأثر بالتأكيد بنقص التجهيزات وتتأثر بانخفاض الشاحنات الضاغطة من 70 الى 35 وتتأثر بتعويض عمل شاحنة ضاغطة بجرار عادي او عربة مجرورة وما ينجر عن ذلك من زيادة في الاعوان العاملين وزيادة في وقت نقل الفضلات وزيادة في الازعاج لتبقى النتيجة اقل من المأمول وهو ما يقلق المواطن فعلا. وماذا عن حملات النظافة الاستثنائية التي تقومون بها وآخرها التي تمت أيام 13 و14 و15 جويلية الجاري هل أنها لا تفي بالغرض ولماذا لا تشارك فيها كل الوزارات والادارات المتداخلة؟ - هي حملات نقوم بها بإمكانياتنا الخاصة وهي بالفعل لا تفي بالحاجة في مجابهة العمل البلدي اليومي ورفع كميات الفواضل المنزلية التي تصل الى 600 طن يوميا. لقد قمنا بهذه الحملات في محاولة للحد اقصى ما يمكن من التلوث البيئي لكن هذه الحملات في حاجة الى الدعم الذي يكاد يكون منعدما. فالحملة الأخيرة لم تشاركنا فيها سوى وزارة الفلاحة ب2 جرار و25 عونا ووزارة التجهيز مكنتا من آلة ماسحة.. وهذا الدعم يبقى ضعيفا ولا يفي بالمرة بالغرض. اما وزارة الداخلية فقد دعمتنا بميزانية استثنائية مكنتنا من كراء بعض المعدات. ومن جهتنا رفضنا بعض مطالب العطل ومنحنا الاعوان مكافأة الساعات الاضافية وهو ما يتطلب اموالا على حساب ميزانية البلدية. اشتكى المواطن هذا العام وبشكل استثنائي من جحافل الناموس التي أرهقته ليلا ونهارا وكانت هذا العام استثنائية دون أن نلاحظ عمليات مداواة أو تدخل من قبل المصالح البلدية. - ليس من العدل ان ترتبط اشكالية الناموس بالبلدية فقط. فللناموس مصدران: سبخة السيجومي أولا ودهاليز المباني ثانيا. فبالنسبة للسبخة تبقى البلدية طرف في لجنة تتكون من وزارة الداخلية والولاية والتجهيز والفلاحة والبلدية مسؤولة على تطبيق خطط وبرامج هذه اللجنة. وسنة 2012 كانت استثنائية من ناحية كمية الامطار وهو ما تسبب في ارتفاع منسوب مياه سبخة السيجومي الذي بلغ ارتفاعها 70 صم وهذه الكمية لا تكفيها 10 آلاف طن من المبيدات المتوفرة للقضاء على الناموس. كذلك من دور ديوان التطهير ضخ المياه من السبخة نحو البحر بصفة دورية ونسق الضخ لم يكن في المستوى المطلوب مما ادى الى تراكم المياه مع عدم فاعلية المبيدات نظرا لعدم التطابق بين كميتها وكمية المياه الموجودة في السبخة جعل المداواة ضعيفة ولم يقض على التوالد. وللتخفيف من الناموس واصلنا رش المبيدات عبر الشاحنات بصفة دورية وعادية. اما الدهاليز فنحن نتدخل فيها بإمكانياتنا للتفريغ او المداواة. لكن المشكل ان العمارات ليست فيها نقابات ولا صيانة مما يصعب مهمتنا في التدخل. كذلك تبقى الدهاليز التابعة لشركات الاتصال والكهرباء مصدرا للبعوض الحضري والقضاء عليه يتطلب عملا جماعيا وليس من دور البلدية فقط. قانونيا ومنذ 8 جويلية انتهت فترة نيابتكم واي توقيع تقومون به يعد لاغيا بما في ذلك عقود الزواج المبرمة من قبلكم. فأي حلول لهذا الاشكال القانوني والى متى سيتواصل الامر؟ - في غياب نص قانوني بالتمديد نجد انفسنا اليوم في وضعية غير قانونية. لكن من غير المعقول كذلك التوقف عن العمل وتعطيل المصالح العامة باعتبار ان البلدية مرفق عمومي فهل يعقل ان نتوقف عن اعطاء مضامين الولادة مثلا. في 8 افريل وقبل التمديد للنيابة الخصوصية ب3 أشهر وجدنا أنفسنا في اللا قانون لكن واصلنا العمل الى أن جاء قرار التمديد الذي غطّى قانونا المرحلة التي عملنا فيها قبل التمديد. وحاليا نأمل في البت في المسالة في اقرب وقت ممكن سواء بالتمديد او تعيين نيابات جديدة او تطعيم النيابة الحالية. وهذا الطلب اعتبره ملحا من النيابة الخصوصية لبلدية تونس واعتقد أن الامر كذلك بالنسبة لبقية النيابات التي انتهت فترة التمديد لها وعددها كبير.